أربعة خطوات نحو التسليم الروحي

أربعة خطوات نحو التسليم الروحي

 

ماذا تعرف عن عبارة : تسليم ؟

في الواقع يفكّر معظم الناس في كلمة تسليم على نحو متشابه , فهذه العبارة تشي بالكثير من السلبية و الظلامية ,بحيث تتبادر الى ذهن كل منا كل المعاني السلبية في الوهلة الأولى , فالتسليم في اعتقادنا هو كل مصطلح يرادف الخسارة ، الإذلال ، أو السماح لغيرك بالتحكم فيك او السيطرة عليك أو ربما حتى بإلغاء شخصيتك . ومع ذلك ، عند استخدامها في سياق روحي ، يعني التسليم أيضًا التخلي عن ذلك ، ولكن “التخلي” في هذا الاطار المحدد يتعلق بترك كل شيء لم يعد يخدمك او يساعدك في حياتك

التسليم الروحي هو التوقف عن “المقاومة” ، والخروج من حيّز الحياة الضيق الى احتضان كامل كليتها

في النصوص الفيدية (هي الكتب المقدسة الأقدم للهندوسية لكن لم يُعرف المدى الزمني لتلك الفترة). ، يشار إلى التسليم الروحي باسم “فرحة التسليم”. إنه شعور رائع وإيجابي يلي تخليك عن كل الأشياء غير النافعة او المنغصة او الجانبية و إخراجها من حياتك تماما , بحيث تكسر كلّ القيود التي كانت تشكلها لك، وتتجاوز نطاق تكييفك المعتاد ، وتفتح أمامك إمكانيات و فرص لا حصر لها. إنه يقدم هوية ذاتية جديدة و يحوّل كينونتك بأكملها من شخصية “صغيرة” و محدودة الوعي و الفرص إلى شخصية مطلقة و أكثر وعيا

عندما تسلم روحياً ، تتوقف عن إجبار نفسك على تقبل الحلول الجاهزة للمواقف التي لا يمكنك السيطرة عليها ، وبدلاً من ذلك تثق وتثق بنفسك أكثر كما تثق بأن هناك قوة إلهية تعتني بكل شيء يخصك بطريقة متناسقة و دقيقة تماماً. على سبيل المثال ، إليك بعض الطرق التي يتم فيها شرح التسليم الروحي بشكل أكبر

يقول كريشنا ، الذي يمثل الاله في المعتقدات الهندوسية أنّ “التخلي عن جميع أنواع الزوائد والتسليم ببساطة للمشيئة الالهية سيحررك من كل العواقب السيئة , فلا تخف.” و في الحقيقة , لا تعد هذه الفلسفة حكرا على الثقافة الهندوسية بعينها بل نجدها في معظم المعتقدات الدينية على مر العصور ففي الإسلام نجد أيضا النص المقدس او القرآن يهتم بهذا الجانب الروحي للمؤمن و يبعث فيه روح الطمأنينة و التسليم اذ يقول الله عز و جل في الآية 48 من سورة الطّور ” واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا..” كما نجد ذلك في الديانة المسيحية في مواضع عدة على سبيل المثال في (سفر المزامير 23: 1) : الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ

و يقول المعلم الروحي إيكهارت تول ، “التسليم هو أن تقول نعم للحياة ، وانظر كيف تبدأ الحياة فجأة في العمل نيابة عنك وليس ضدك

تقول الكاتبة ديبي فورد: التسليم هو هدية يمكنك أن تعطيها لنفسك. إنه الإيمان. و يعني أنه على الرغم من أنني لا أستطيع رؤية أين يتدفق هذا النهر ، إلا أنني على ثقة بأنه سيأخذني في الاتجاه الصحيح

الأنا يحب السيطرة على كل شيء. يخلق الحدود والقيود التي تسجن نفسك بها , أما التسليم الروحي فهو يتيح لك التحرر و الإفلات من كلّ مخلفات “عدم اليقين” و الشك . مع التسليم ، يمكنك الاتصال بالكامل مع المصدر الخاص بك حيث يتآمر الكون كله لدعمك. يمكنك أن تصبح خالدا، أبديا ، لانهائيا، مليئا بالفرح ، و مُفعما بالشجاعة و الاقدام. و من هنا يتم تسليم تطلعاتك الفردية ورغباتك التي طالما طمحت اليها إلى قوة أعلى و أكبر منك. و بالتالي , تذوب كل تلك الرغبات الفردية بين يدي الكون لتعود اليك بكل ما تتوق اليه نفسك. فوحده الكون كفيل بتحقيق رغباتك , بشرط أن تُسلّمه زمام الأمور أي “تستسلم لقدرته الانجازية

الآن بعد أن عرفت لماذا يكون التسليم قوياً جداً ، يصبح السؤال ، كيف تسلّم؟ هنا خمس خطوات لمتابعة رحلتك نحو الاستسلام الروحي

١- الإيمان

لتسليم كامل ، يجب أن يكون لديك قدر كافٍ من الإيمان ، أو كما وصفه الفيلسوف الهندي سيري أوروبيندو بأنه “إيمان الروح في الوجود الإلهي ، الايمان بحكمته ، قوته ، حبه ، وحنكته”. لا حاجة للتفكير في أي شيء آخر ، لا حاجة للذهاب الى أي مكان آخر ، لا حاجة إلى الانحراف لأي خطة بديلة . الايمان هو حالة ثقة كاملة بمعلميك الروحيين ، بالتعاليم التي تتبعها , بالاله او بالكون كلّ حسب اعتقاده.. و قبل كلّ شيء الايمان بنفسك . الإيمان سيساعدك على قبول كل شيء – الخير والشر على حد سواء

٢- الصبر

أنت أيضا بحاجة إلى الصبر. الإيمان والصبر يكملان بعضهما البعض. كل منهما على حد سواء يمثل السبب و التأثير للتسليم في نفس الوقت. كلاهما الوسيلة وكذلك الغاية. بِهِما تتكون لديك مبادئ سلوكية كاملة للحياة الروحية. وقد شدد عليها المعلم الروحي الهندي شيردي ساي بابا كضرورة للانسجام مع الكون و التوازن الروحي. لذا , اعتمد الصبر للسماح للأشياء بالتجلي بشكل طبيعي و كن مدركا أن كل ما تحتاجه سوف يأتي تلقائيًا في اللحظة المناسبة

٣- الوعي

يتطلب التسليم أن تكون على علم بكل ما يتعلق بهدفك. عليك أن تظل مركزا ومثابرا ايضا، وأن تتغلب على أي شكوك قد تحاول تشتيت انتباهك . و لنفهم اكثر فإنّ المفهوم الطبيعي للتسليم هو التوسع. كلما سلمت أكثر ، كلما توسع نطاق وعيك ، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا عندما تعيش حالة يقظة روحية تنبع بالأساس من الحب , حبّ كل شيء و كلّ شخص و كينونتك في هذا العالم ايضا

٤- التأمل

التأمل هو وسيلة التسليم وأقوى أداة لديك في رحلتك الروحية. فمن خلال تحويل إدراكك بعيدًا عن النشاط الطبيعي واستقرار مستويات الوعي لديك لتصبح أكثر هدوءًا ، يمكنك إعادة التواصل مع نفسك الحقيقية. عندما تنزلق إلى الفراغات الصامتة بين الأفكار ، تسلم النفس وكل قيودها ، إلى الذات الخالدة غير المحدودة. تغرق هويتك الخاصة في الهوية الكونية ، حيث “الأنا” تختفي في غبطة الوحدانية

كجزء من التأملات اليومية حسب “ديباك تشوبرا” ، يمكنك أن تسأل نفسك أربعة أسئلة

من أنا ؟

ماذا اريد ؟

ما هو غرضي ؟

ما أنا ممتن من أجله ؟

توجه بالسؤال الى قلبك او الى نفسك العليا ، ثم استمع فقط إلى أي إجابة تأتيك من الداخل , دون ان تحاول تقييمها او تغييرها. هذا أيضا هو شكل من أشكال التسليم.التأمل يساعدك على الذهاب الى مكان ابعد من الأنا لسماع التوجيه من وجودك الأعلى. قد يقول يسميه البعض حدسا او حكمة او غيرها من التسميات لكن الحقيقة ان ذاتك العليا هي دائما لك بالمرصاد ترشدك كلما قصدتها بالسؤال

التسليم هو الطريق إلى اختبار السلام الذي لا ينتهي و بلوغ حالات أعلى من الوعي. عندما توكلُ كل شيء إلى الكون او الاله ، لا يبقى لديك ما يدعو للقلق

يقول جلال الدين الرومي

جاء الحب وجعلني فارغا

جاء الحب وملأني الحبيب

أصبح هو الدم الذي في عروقي

أصبح هو ذراعي وساقي

أصبح كل شيء

الآن كل ما لدي هو مجرد اسم

أما الباقي ينتمي إلى الحبيب

إلى من تسلّم؟

قد يكون هذا سؤالًا صعبًا بالنسبة لكثير من الناس الذين يضعون أولى الخطوات في الطريق الروحي. هل أسلم لمعلم روحي؟ هل أقوم بتقديم أو بيع نفسي لبعض الشخصيات الدينية التي لا أعرفها حتى؟

لن يطالبك أي مدرس مستنير حقًا بتسليم جسدك أو ذهنك أو ممتلكاتك إليه. إذا كنت محظوظًا بما يكفي لإيجاد معلم متنور ، فلن يقبل سوى ما تختار عرضه بحرية. عندما تصبح مليئا ببركات محبته الخالصة غير المشروطة ، من السهل التسليم

يقال في علم الغناء الهندي البارامانزا يوغاناندا أن التسليم الروحي يعني “التقديم الذاتي لإرادة المرء إلى الله”. إنه ليس سلبيًا. إنه استسلام نشط لإرادة الله. و بناء على معتقدات الناس المختلفة سيكون ايمانهم بالذات الالهية مختلفة, في الواقع بإمكان كلّ منا ان يسلم لايّ ماهية يؤمن بها حق الايمان

إنّ وضع كل شيء بين يدي الكون في أي شكل تختاره هو الخطوة الأولى والأخيرة لترك القديم وبناء العالم الذي طالما حلمت به

ومع ذلك ، عندما تسلم حقا إلى أي ذات تؤمن بها، فأنت تسلم حقا للكون بشكل غير مباشر. كل ما تحتاجه في رحلتك الروحية لا يعطى ، لقد تم استلامه. لقد استلمت ما تطمح اليه من خلال قدرتك على التوافق مع الذات العليا الخاصة بك وهذه القدرة تتطور مع التسليم والحب والإخلاص. يتم رفعك تلقائيًا إلى أعلى مستوى من الوعي و الوجود الروحانيّ , و هنا يجب ان تعلم أنّ المساعدة لا تأتي من الخارج ولكن من كيانك انت

التسليم الكامل هو الفهم المثاليّ للحياة الروحية. الأمر لا يتعلق بإعطاء أي شيء. ليس عليك مغادرة عائلتك أو ترك عملك أو التخلي عن ممتلكاتك أو العيش في دير او مسجد او معبد . التسليم لا يتعلق بالعمل ، بل يتعلق فقط بالسماح و التخلي. السماح للحقيقة والجمال والنقاء والخير بأن تتدفق دون جهد الى حياتك من خلالك و تشع بالتالي في العالم , و التخلي عن كل منغصات الوجود و السماح للمشاعر السامة بالرحيل عنك الى بُعد آخر

إقرأ أيظا سر الكود الكوني في علم الارقام 369 وكيف نستفيد منه لتحقيق الوفرة في حياتنا؟ بالنقر هنا

إقرأ أيظا القوانين الكونيه :قانون الاقطاب بالنقر هنا

إقرأ أيظا أربعة خطوات لإيقاظ العين الثالثة بالنقر هنا

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *