أهمية أن يصدقك الآخرون : الفائدة الكبرى
مثلما هنالك احتياجًا لأن تُحَب، وأن تُرى وتُقدَّر، وأن تُحترم، هناك أيضًا احتياج إنساني أساسي ومهم جدًا يُسمى احتياج أن تُصَدَّق. بمعنى أنك تحتاج عندما تعبّر عمّا بداخلك، أن يصدقك من أمامك. تحتاج عندما تقول: أشعر أن هناك شيئًا غير صحيح، ألا يشكك من معك في مشاعرك. تحتاج عندما تحكي، أن يشعر من يستمع إليك ويتفاعل معك ويصدق ما تقوله
من أكثر الأمور المؤلمة التي أواجهها في ممارستي الإكلينيكية، عندما يصف لي شخص مواقف وأحداثًا صعبة جدًا وأحيانًا غريبة للغاية، ويظهر فيها –بالنسبة لي– مقدار الظلم وسوء المعاملة والابتزاز العاطفي الذي يتعرض له هذا الشخص من شريك حياته أو أحد والديه أو أي شخص آخر. وعندما أقول له: « ياه.. صعب أوى اللى بتحكيه ده »، أجد عينيه تتسع، وحاجبيه يرتفعان، وصوته يعلو من الدهشة: « هل يعقل يا دكتور؟ حقًا؟ هل هذا يعني أنني كنت على حق؟ هل شعوري في ذلك الموقف كان صحيحًا؟ هل كان لي الحق أن أشعر بذلك؟ هل كان لي الحق أن أقول لا؟ لقد جعلني أشك في نفسي، لقد فقدت الثقة في إحساسي، لقد بدأت أشعر أنني مجنون/مجنونة
بالطبع هناك نوع من الناس محترف في التلاعب، في جعلك تشك في نفسك، في جعلك لا تصدق نفسك. هؤلاء مكانهم في قاع الجحيم لأنهم في الحقيقة جحيم متحرك، جحيم يمشي على قدمين
وهناك نوع آخر من الناس، عندما تتحدث إليه وتشعر من نظرته أنه يصدقك، تشعر وكأن كل مراهم العالم لمست قلبك، وكل بلسم الدنيا ضمد جراح روحك
وكما أن لكل شيء أصل ومرجع في الطفولة وفي العلاقة مع الأب والأم، فإن هذا الاحتياج أيضًا له نفس هذا الأصل. الطفل يحتاج أن يصدقه والده ووالدته. هذا لا يجعله يشعر فقط بأنه مُرَاعى ومُقدَّر، بل يجعله يشعر بأنه موجود، وأن هذا الوجود مُصَدَّق، وأن لهذا الوجود معنى، وأن هذا الوجود صحيح
وليس المقصود هنا أن تصدقه عندما يتكلم، فالحاجة إلى التصديق موجودة قبل أن يتعلم الكلام حتى، إنها حاجة موجودة قبل اللغة أصلاً. فعندما يشعر بالجوع وتدرك والدته ذلك وتطعمه، فهذا يعني أنها صدقته. وعندما يبكي ويحمله والده ويهدهده، فهذا يعني أنه صدقه. وعندما يحتاج إلى شيء ويتم تلبية احتياجه، فهذا يعني أن احتياجه صادق ومهم
سأخبركم بسرٍّ : الأطفال في سن معين يبدأون يقولون لوالدهم ووالدتهم: « أنا أحبك »، فيردون بسرعة وبدون تفكير: « وأنا أيضًا أحبك يا حبيبي ». لكن السر هو أن الطفل في تلك اللحظة لا يحتاج لهذا الرد. بل يحتاج قبل أن تقول له أحبك أن تقول له: « أنا أصدقك ». هذا هو ما يُشبع احتياجه، وهذا ما يرضي حاجته، وهذا ما يُبنى عليه فيما بعد الحب والاهتمام والاحترام. هذا ما يزرع في تركيبة شخصيته رسالة نفسية مهمة جدًا: « أنا مُصَدَّق، لي الحق أن أُصَدَّق، ما أشعر به له معنى
تخيلوا الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش ويحكين لأهلهن، فيقولون لهن: لقد كان مجرد تخيل، أو أنت المخطئة، أو أنت السبب بالتأكيد. تخيلوا الأولاد الذين يقسمون لآبائهم وأمهاتهم على كل شيء وأي شيء، وهم لا يصدقونهم. تخيلوا النساء اللواتي يستفسرن من أزواجهن عن تصرف، أو يستغربن من موقف، أو يسألن عن تفسير ما، فينهال عليهم الزوج بوابل من الكلام، ويهاجمهن بتهم متتالية من الاتهامات والحوار النفسي القاتل، ويجعل عقولهن تدور حول نفسها، بحثًا عن مبررات هائلة، وسلسلة لا نهاية لها من وسائل الدفاع عن النفس. نفس الأمر يحدث مع بعض الأزواج بالطبع (حتى لا يغضب أحد)
انظروا حين تجد المرأة شخصًا يصدقها غير زوجها، أو يجد الرجل شخصًا يصدقه غير زوجته. أسوأ ما يمكنك أن تقدمه لشريكك في علاقة ما هو أن لا تصدقه، وأن تجعله يشعر بأنه يحتاج إلى الشرح والتفسير، وكأنه يبرر وجوده. وأفضل ما يمكنك أن تقدمه على الإطلاق لكل من تحب هو أن تصدقه، فقط أن تصدقه
لقد تعلمت شيئًا عظيمًا من أستاذي الدكتور رفعت محفوظ في السياقات العلاجية، كان يقول: عندما يقول لك شخص كلمة طيبة، تمسك بها وصدقه، لأنك بذلك تستخرج منه أفضل ما عنده
لقد طوروا تقنية خاصة في بعض أنواع العلاج النفسي تسمى التحقق، وتعني ببساطة أن توصل لمن أمامك أنك تصدق ما يشعر به، وأن له الحق في أن يشعر بما يشعر به. هل رأيتم التعقيد؟
المقابل لهذا الشعور لدى الشخص الآخر يسمى « الارتياح ». ارتيااااح. صدقوا بعضكم البعض، فذلك يمكنه أن ينقذ النفوس، والقلوب، والأرواح. لا يزال هناك مستوى أعلى من أن تصدق شخصًا، وهو أن تؤمن بشخص وهذا موضوع آخر له حديثه الخاص لاحقًا
إقرأ أيضاً
إتقان فن الحماية : 5 طرق للمساعدة في الحفاظ على عدم السماح للطاقات السامة بالسيطرة على حياتك
الراحةُ أم الحُب ؟
فوائد الحب النفسية وإيجابيات الحب الحقيقي
أسباب الشّعور بالضيق المفاجىء مع أدعية