كيف تبني علاقة ناجحة مع شخص يعاني من القلق والإفراط في التفكير ؟

كيف تبني علاقة ناجحة مع شخص يعاني من القلق والإفراط في التفكير ؟

 

يجب أن تكون شجاعًا عند الحديث عن هذا الموضوع، وسأكتب هذه الرسالة لأمرين أساسيين: أولاً، لأنني تعبت من تكرار الشرح لكل شخص على حدة، فقد أصبح الأمر مرهقًا. ثانيًا، لأنني أعتقد أنه قد يكون هناك أشخاص مثلك أو مثل من تعرفهم يمكن أن يستفيدوا من هذه المعلومات، وربما ينالني الأجر من خلالها

هناك نوعان من القلق، هما : القلق العادي واضطراب القلق . هذه الحالة عادة ما ترتبط  بالإفراط في التفكير، وهو عرض نفسي يترافق غالبًا مع أعراض أخرى، مثل الأرق، والصداع، ومشاكل في الجهاز الهضمي، واضطرابات في الشهية، وأحيانًا البكاء بدون سبب واضح، وغيرها من الأعراض. هذا الأمر أشبه بمتلازمة صحية في الأمراض الجسدية

عندما نتحدث عن بناء علاقة مع شخص يعاني من القلق والإفراط في التفكير، سواء كانت صداقة أو علاقة عاطفية أو حتى زواج، سأحاول تقريب الصورة من خلال بعض الأمثلة

أولًا، الشخص الذي يعاني من الإفراط في التفكير يواجه صعوبة كبيرة في التوقف عن التفكير، حتى أثناء النوم. إنه يشعر بالعذاب طوال اليوم بسبب هذه الأفكار المستمرة، ويفكر في أمور جادة وسلبية حتى في أوقات الراحة. فحتى أثناء مشاهدة فيلم أو الاستحمام أو الصلاة، لا يستطيع أن يتوقف عن التفكير

إذا كنت تملك القدرة على الاسترخاء والتفكير في « اللاشيء »، فهو غالبًا لا يعرف هذا الشعور؛ عقله في حالة دوران دائم تشبه حركة خلاط الطعام. وقد يصل به الأمر إلى أن يشعر كأن شخصًا ما يضرب بمطرقة في رأسه. بعد كل هذا التفكير، يمر بمرحلة من الرغبة العارمة في التعبير عن مشاعره وأفكاره، وهكذا تجده أحيانًا يتحدث بلا توقف وبسرعة، وقد يعيد تكرار المواضيع نفسها مرات عديدة

قد تظن أن حديثه المتكرر ممل، لكنه ببساطة لا يستطيع التوقف عن التفكير في نفس الموضوع كل يوم. تساؤلاته مستمرة حول ما إذا كان محبوبًا من أصدقائه أو من شريكه، وهل ارتكب خطأ ما؟ وإذا لم يتلقَّ اتصالًا معتادًا، يبدأ في القلق ويخشى أنه قد يكون سببًا في ذلك. وإذا تأخرت في الرد عليه، قد يبدأ التفكير: « ربما هو مريض؟ ربما يواجه مشكلة؟ »، وفي النهاية، قد يصل إلى استنتاج مؤلم أنك لم تعد تريده في حياتك

عندما يسألك عما إذا كنت غاضبًا، أو يرسل لك رسائل كثيرة أو يتصل بك، فهو لا يحاول أن يكون مزعجًا، ولكنه يبحث عن كلمة واحدة فقط تطمئنه حتى يتمكن من النوم. قد تكون مسترخيًا في منزلك أو نائمًا، وهذا بالطبع ليس خطأك، لكن بالنسبة له قد يكون عالقًا في دوامة من الأفكار السوداء، في انتظار أن تطمئنه بأن هذه الأفكار ليست حقيقية

لا تفترض أنه يستطيع السيطرة على هذا بسهولة؛ فالموضوع صعب للغاية. إنه لا يستطيع منع نفسه من التفكير بهذه الطريقة، ويلوم نفسه باستمرار ويشعر بالذنب لاعتقاده بأنه عبء على من حوله

هناك احتمالان عند التعامل مع شخص كهذا: إما أنك لن تفهمه وستجده متطلبًا وثقيلًا، وهذا سيؤلمه في النهاية فيقرر الابتعاد عنك رغم حبه لك، أو أنك ستتمكن من فهم « مفتاحه » وستكسبه، خاصة وأن هذا النوع من الأشخاص يقدر بشدة من يفهمونه ويتعاملون معه بفهم وتعاطف

مفتاح الشخص الذي يعاني من القلق والإفراط في التفكير هو « الأمان ». كل ما يحتاجه هو أن يشعر بالأمان كلما داهمته أفكار سلبية. فعندما يسألك « هل أنا على بالك؟ »، أو « هل زعلان مني؟ »، فهو يبحث عن كلمة تطمئنه وتجعله يشعر بالاستقرار. ليس بحاجة إلا إلى رسالة، أو اتصال، أو ربما مجرد إعجاب على منشور. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكن حتى إعجاب بسيط يمكن أن يجعله يتنفس الصعداء، ويقول لنفسه: لا، هو ليس غاضبًا مني، لقد قام للتو بالتفاعل معي، أنا موجود في باله

كيف تكون شخصًا داعمًا: إذا كنت ترغب في مساعدة شخص يعاني من القلق والإفراط في التفكير، فإن أول خطوة هي التعاطف معه. حاول أن تضع نفسك مكانه، وتفهم أن هذه الأفكار ليست تحت سيطرته، وأنه لا يستطيع ببساطة إيقافها. بدلاً من محاولة تغيير أو توبيخ مشاعره، يمكن أن تكون الداعم الذي يمنحه مساحة للتعبير عن نفسه بدون خوف من الأحكام

عندما يتحدث عن مخاوفه، استمع إليه بإنصات، وبدون مقاطعة، لأن الشخص الذي يعاني من القلق غالبًا ما يحتاج فقط إلى من يسمعه ليشعر بأن هناك من يتفهمه ويقدره. أعطه الثقة بأنك موجود إلى جانبه مهما كانت أفكاره

التعزيز الإيجابي والمستمر: من المهم أن تتواصل معه بلغة إيجابية ومطمئنة. أخبره بأنك تقدر وجوده في حياتك، وأنك تفهم حاجته للتعبير عن مشاعره، حتى وإن كانت متكررة أو يبدو أنها تعيد نفس الأفكار. هذا النوع من الدعم يُشعره بأنه مقبول على طبيعته، مما يخفف من شعوره بالذنب والقلق حول كونه عبئًا عليك

كلمات مثل « أنا هنا بجانبك » و »كل شيء على ما يرام بيننا »، تكون بسيطة لكن مفعولها كبير، حيث تساعده على تهدئة عقله وتبث فيه الأمان الذي يحتاجه

احترام المساحة الشخصية ولكن بعناية: الضغط المتواصل أو الرد المستعجل قد يزيد من شعوره بالقلق، ولذلك من الأفضل أن تعطيه المساحة للتفكير، لكن مع مراقبة التوقيت لتطمئنه إذا استمر طويلاً في الصمت أو العزلة. بين الحين والآخر، قدم له بعض الوقت ليعبر عما يشعر به، حتى إن لم تكن متأكدًا تمامًا من التفاصيل. احترم مساحته، لكن كن حريصًا على أن تُظهر له أنك قريب ومستعد للاستماع إليه عند الحاجة

التعاطف مع التغيرات المزاجية: من سمات الإفراط في التفكير أن تتغير الحالة المزاجية بشكل سريع ومتقلب، وقد تشعر أحيانًا أن الشخص الذي أمامك ينتقل من الهدوء إلى التوتر بشكل غير متوقع. لا تأخذ هذه التغيرات على محمل شخصي، وبدلاً من ذلك، حاول التفاعل بهدوء واطلب منه مشاركة مشاعره دون توجيه اللوم

تقدير هذه التغيرات والتعاطف معها يجعله يشعر بالأمان في التعبير عن نفسه دون خوف من أن يُساء فهمه

التواصل بطريقة فعالة وداعمة: في لحظات الحوار، يمكن أن تقدم له بعض النصائح العملية، لكن بلطف وتدريجيًا. اقترح عليه أساليب مهدئة مثل التنفس العميق، أو أخذ فترات راحة قصيرة خلال اليوم، أو حتى ممارسة رياضة خفيفة تساعده في الاسترخاء

كذلك، قدم له الدعم فيما يتعلق بطلب المساعدة من مختصين إن احتاج لذلك. أحيانًا يكون العلاج أو الاستشارة النفسية مفيدة جدًا، ويمكنك تشجيعه على التفكير فيها كجزء من رعايته لنفسه، وليس كعلامة على ضعف

تجنب السخرية أو التقليل من مشاعره: قد تشعر أحيانًا بأن المخاوف التي يعبر عنها تبدو غير منطقية أو مبالغًا فيها، ولكن تجنب تمامًا السخرية منها أو التقليل من أهميتها. فحتى لو كانت أفكاره تبدو لك بسيطة، إلا أنها قد تكون سببًا في معاناته اليومية

كن حساسًا تجاه هذه النقطة وقدم له الدعم بفهم حقيقي، لأن ذلك يعزز ثقته بك ويجعله يراهن على بقائك بجانبه، مما يخفف كثيرًا من شعوره بالعزلة والوحدة

بهذه الطريقة، يمكنك المساهمة في خلق بيئة مريحة وآمنة لشخص يعاني من القلق والإفراط في التفكير، مما يجعله يشعر بالأمان ويتيح له فرصة لتحسين جودة حياته تدريجيًا

 

إقرأ أيضاً

اضطراب القلق و أنواعه

ما هو اضطراب الشخصية التجنبية؟

ثمانية ( 8 ) خطوات للتعامل مع النرجسي في حياتك

ما هو اضطراب القلق العام ؟

 

كوتش مالك

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *