أنت وعالمك الداخلى : كيف تؤثر علاقتنا الداخلية على حياتنا ؟

أنت وعالمك الداخلى : كيف تؤثر علاقتنا الداخلية على حياتنا ؟

 

كل فرد منا يعيش في عالمين متوازيين: عالم خارجي وعالم داخلي. العالم الخارجي هو العالم الذي تدركه بحواسك، ترى وتسمع وتشعر، حيث الناس والأصوات والأحداث والأماكن والأزمنة تتفاعل معك. أما العالم الداخلي، فتلك حكايته مختلفة

تصوّر أن داخلك توجد نسخة حيّة من كل شخص ترتبط به في حياتك. نسخة حية لها صوت وصورة، بينك وبينها مشاعر حب أو كره أو غضب أو امتنان. كل شخص مهم تقابله خلال حياتك، تحتفظ بنسخة منه بداخلك، ومعها مشاعرك تجاهه في لحظة تخزين تلك النسخة. على سبيل المثال، تحتفظ داخلك بنسخة حية متعددة الأبعاد من والدك، تتحدث معه وترد عليه وتتناقش، سواء في وعيك الظاهر أو في مستوى اللاوعي الذي لا تدركه. أبسط مثال لذلك هو عندما تشتاق لوالدك، فتستدعي صورته داخلك لتتذكره وتجد الراحة في ذكره

بالمثل، تحتفظ بنسخة حية من والدتك، تتفاعل معها حسب مشاعرك تجاهها، سواء كانت مشاعر حب نتيجة لحنانها أو مشاعر غضب نتيجة لقسوتها

داخل كل واحد منا نسخ من إخوتنا وأصدقائنا ومعلمينا وزملائنا، وحتى من الأماكن التي تحمل قيمة عاطفية لدينا. هذه النسخ ترافقها مشاعر مرتبطة بتجاربنا مع الأشخاص أو الأماكن وقت تكوينها

هذه النسخ تحتاج إلى تحديث مستمر. عندما يتغير الشخص أو علاقتك به، سواء للأفضل أو الأسوأ، يجب أن تحدث النسخة المخزنة بداخلك. عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى ظلم الشخص بناءً على نسخة قديمة منه، ولذا من الضروري أن نجدد هذا العالم الداخلي باستمرار

تخيل شخصًا واجه في حياته أشخاصًا عاملوه بقسوة أو بإهمال أو بحب مشروط. ماذا تتوقع أن يخزن داخله؟ سيملأ عالمه الداخلي وحوشًا بأشكال مخيفة وأحداث درامية مرعبة. إذا كان عالمه الداخلي مليئًا بهذه المشاهد المظلمة، فمن المرجح أن يعاني من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، وقد يصل الأمر إلى الهلاوس عندما تخرج هذه الوحوش إلى السطح

أما في المقابل، شخص تربى على الحب والحنان والقبول غير المشروط، سيجد عالمه الداخلي أشبه بجنة مليئة بالسلام والنور

كل واحد منا يعيش بين هذين النقيضين، حيث عالمه الداخلي مزيج من الصور الجميلة والمخيفة، مع غلبة أحد الجانبين حسب تجاربه

لكن الأهم أن هذا العالم الداخلي يحدد كيفية استقبالنا للناس والأحداث. على سبيل المثال، إذا لم يلقِ شخص تحية الصباح عليك، قد يستقبله عقلك الداخلي كعلامة على الكراهية أو التجاهل أو العداء، أو قد تراه ببساطة كأنه مشغول أو غير منتبه

وباختصار، لا يوجد شخص منا عالمه الداخلي سليم تمامًا. كلنا نخزن صورًا لأحداث وتجارب تركت فينا أثرًا عميقًا. من هنا، نأتي إلى السؤال المهم: كيف يمكننا إصلاح الأجزاء المتضررة في عالمنا الداخلي؟ كيف نستبدل الوحوش بصور مريحة وملائكية؟ كيف نطرد الأصوات المرعبة ونستبدلها بموسيقى عذبة وأصوات الطيور؟

الإجابة تكمن في العلاقات الإنسانية الطيبة. إذا كانت العلاقات السلبية هي ما شوهت عالمنا الداخلي، فإن العلاقات الإيجابية هي ما يمكن أن تصلحه

قد تكون علاقة واحدة فقط كافية لتغيير عالمك الداخلي بالكامل. علاقة صادقة مع صديق أو أستاذ أو حبيب، مليئة بالحب غير المشروط والاحترام والتفهم، قادرة على تحويل عالمك الداخلي إلى مكان مليء بالسلام والسعادة

وهذه هي فكرة العلاج النفسي. الهدف منه هو إعادة بناء هذا العالم الداخلي المشوه من خلال علاقة علاجية إيجابية. المعالج النفسي، أو الصديق الوفي، أو الحبيب الرائع، هم الفرسان الذين يدخلون عالمك الداخلي ليصلحوا ما فسد فيه

عالمك الداخلي أكثر تأثيرًا مما تتصور، فهو يؤثر على أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك

إذا كان عالمك الداخلي مليئًا بالوحوش والأشباح، فإن علاقة واحدة حقيقية مليئة بالحب والقبول قد تعيد بناء هذا العالم وتعيد إليك السلام الداخلي

الحب يشفي
الحب يصنع الأنبياء
« وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني » – طه (39)
صدق الله العظيم

 

إقرأ أيضاً

أربعة اسباب تظهر او تخفي الاشخاص في حياتك

القوانين الروحية الأربعة

ما هي اعلى درجات الحب – شقيق الروح : (رائع جداً)

تخلَّص من كل كارماتك بفعل واحد فقط

طرق تواصل الملائكة معنا في رحلتنا الأرضية

 

د. محمد طه

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *