حوار القلب والروح : بين الألم والبحث عن الحقيقة

حوار القلب والروح : بين الألم والبحث عن الحقيقة

 

يا اخ الروح إني أَسْمَعُ انين روحك الذابلة بين ثنايا هذا الجسد و ارى تلك القسمات كيف باتت قاسية كقسوة تلك القلوب المتحجرة من حولك و ارى كيف تهرب بعيدا من اعين الجميع كي تبكي وحدك, اعلم تماما كيف بات حزينا ، كئيبا ذاك القلب بين ضلوعك المستنزفات من قهر الزمان و خذلان الخلان ، و سم الاقارب ، و لدغ العقارب. كيف صرت خائفا، حريصا على ما تبقى من نور النور في قلبك ، و كانك من هلعك عليه كطفل اصيبت امه بداء و يخشى الفقد. اجل اعلم…اعلم يا اخ الروح

حتى أني اسمعك تتحدث بصوت لا يكاد يسمع تقول : ما هذه الغربة التي اعيشها ؟ ما هذا الوجع ؟و ما هذا الذبول ؟ هل حقا انتمي لهذا العالم القاسي، و لهذه الدنيا اللعينة بعبيدها؟ ما هذا الخراب الذي بداخلي، كيف صرت ميتا و انا على قيد الحياة ؟ ماذا افعل هنا ؟ و لاجل ماذا ؟

نعم اسمعك جيدا، و اراك تختنق في انفاسك، حتى دمعك الغزير كمطر الشتاء، قد خط من ملوحته طريقا على وجنتيك التي لم تزرها البسمة مذ ازل و ايامك التي باتت كلها ليلا لا نهار له من الالم, نعم اراك و بحرقة الوجع و لهيب العجز اسمعك تتساءل : هل من أجل هذا العذاب خلقت ؟

مهلا يا اخ الروح, قف هنا، لعلك وجدت الباب. إني قد القيت بكل سمعي لك ، دورك الان يا اخ الروح لتنصت بشهود، ليس لي و انما لقلبك الكسير لربما تعثر على دليل يدل حيرتك, من يدري ! دعنا نستمع سويا لحديث قلبك الكسير إذن

يقول القلب

انا القلب بيت الاحزان و وجع الخذلان و هموم الزمان, احكي شجني و ابث شكواي، ان كنت ملولا فانصرف عن سماعي ، قد ضقت ذرعا من الملولين و ان شئت، فاسمع انين نايي الحزين، انفخ فيه من ناري. الحب سر نبضي و هو النفس لي من دفىء وجوده انتشي و تزيد في الالق حمرتي، استمراري به ،و من دونه هباء في هواء حضرتي, منذ ان صرت صار الحب غايتي و مطلبي

صرت اطلبه هنا وهناك، في كل زوايا هذه الحياة التي تخصني, وجدته في قلوب احبتي، و كل من يشاركني هذه الحياة خاصتي, تعلقت بهم و بهذه الدنيا وما فيها من لذائذ. همت حبا و طربا و تعلقا, اجل فالحب عندي في اعلى مقام ،و قدسيته ليس عليها جدال, ذاك الحب الذي لا نهاية له ،ابدي لا حدود تحده ولا سبب يلغيه و لا جدار يقف امام جارف سيله, لذلك فان احببت ،فإني احب من شغافي ،و لا اهاب شيء في سبيل هذا الحب

اخذت مني الدنيا و قلوب احبتي كل التعلق و الحب ،و بادلتني بدورها الكثير من الحب. سعدت كثيرا و انتشيت ،و كنت دائم الالق بنبض سعيد في سماء هذا الحب الذي اعيشه من شغافي, دائم السرور و النشوة فانا أحب و أُحَب ! ومع توالي الليالي و السنين ،بدا كل شيء يتغير من حولي, الدنيا التي كانت مقبلة علي، شاحت بوجهها عني و ادبرت ،و انهالت على ام راسي بالمصائب و الالام, اما قلوب احبتي التي كانت تدفئني بحبها بدات تغرب شمسها و تخفت نورها و تقل عطاءها ،و تكثر غيابها وتتعدد حججها و اعذارها, الى أن اختفت تماما وتركتني في ليل لا نهار له ،صرت وحيدا بلا حب ،صرت وحيدا تماما ،حزينا، كسيرا ،كئيبا

ذاك الحب الخالد الذي كنت انشده، تلاشى امام عيني و لم اجد الا سرابا ! لم اجد وفاءا من هذه الدنيا، و لا وفاءا من قلوب احبتي. الكل تلاشى من حولي, الكل اختفى ولم اعد اجد سوى خيبتي و الوجع ! لم اطلب شيءا مستحيلا, لم اطلب سوى حبا صادقا ابديا خالدا, لماذا يحدث هذا لي ،و تظلمني الدنيا هكذا ، وتظلمني القلوب ؟ هل ما اطلبه ضرب من ضروب المستحيل ام من الجنون ؟ هل يعقل هذا ؟

إذ انطلق لساني في طلب هذا الحب الذي لا حياة لي من دونه، فالأكيد ان هناك شيء يدفعني لهذا الطلب ،و طلبي إياه يؤكد حقيقة وجوده ، و إلا فكيف يُطلب اللا موجود؟ فاين اجد هذا الحب الخالد المقدس ؟ أين اعثر عليه؟ إذ لم اجده من الدنيا و من قلوب احبتي اين اجده ؟ هل هناك حبا من نوع اخر يطلبني حتى اطلبه ؟ هل اجد هذا الحب الذي انا في إثره ؟ ذاك الحب الذي يبقيني نابضا ببهجة و سرور, لا يختفي و لا يزول ؟ هل اجده ؟ من يدل حيرتي ؟ فقد غرقت في بحر الحيرة و غرقت في دمي ! هكذا و بدأ القلب بالنحيب

هنا هلت اسارير الروح ، فقامت تنفض عنها الغبار مستبشرة ،و كَأَن فرجا بدا لها في الافق يلوح. إستمع يا اخ الروح استمع لهذين الرفيقين ، فالروح بدورها انتفضت لتبوح

الروح : طال انتظاري لك ايها الرفيق ، حتى من غفلتك تفيق ، واخيرا انطلق لسانك في السؤال و التدقيق

القلب : لم هذا السرور ايها الصديق !و انا غارق في حيرتي و النحيب ! اهكذا يكون الوفاء للرفيق ؟

الروح: في نحيبك سمعت زغاريد الفرح ، و في حيرتك رايت قارع طبول الفرج، فكيف لا أسَر ايها الرفيق ؟

القلب: كيف ذلك ؟ و اي فرح هذا و اي فرج ؟

الروح : ايها القلب، لا زالت تمر عليك الليالي و السنين و انت غارق في بحر الغفلة عن مولاك ، شديد التعلق بالزبد الذي يذهب جفاء، فانيا بكلك في حظيرة الدنيا و سوق الخلق ، لا هم لك سوى اقبالهم عليك, تفرح باقبالهم، و تحزن لادبارهم ، حتى صرت ايها الرفيق عبدا ذليلا سيء الطبع يقلبونك كيف شاؤوا كخاتم في الاصبع و بفعلك هذا قيدتني باغلال لا تفك، و سلبت مني حريتي. الم تستمع لآهاتي التي لم تفتأ تنطلق من اعماقي طيلة هذه السنين ؟ اين سمعك ؟ لا عجب، فقد سلبتك حواسك تلك السرابات التي انت في إثرها و لكن نحيبك وحالك هذا نفض عني غبار غفلتك إذ بدأتَ بالبحث و السؤال و علمتَ ان ما كنت غارق فيه ما هو الا محض خيال و سراب زال, إنها بشرى يقظتك من نومتك ايها الرفيق

القلب : بحق الله اوضح ايها الرفيق الشفيق ،كي من وجع الالم افيق ؟

الروح: ايها القلب الغافل ..استمع مني لهذه العبرة

ذات يوم راى طفل صغير بينما هو في بيته، إبريقا مزخرفا جميل الالوان ،كان الابريق فوق النار ، و اشتهت نفسه ان ياخذه, بينما هو متوجه نحوه بكل لهفة، راته امه من بعيد، فحذرته خوفا عليه من احتراق يده ،ولكن لم يكترث لها و لم يلقي لها بالا حتى ،بظنه انها تحرمه متعة عظيمة ، فأمسك الابريق بكلتا يديه حتى صرخ من شدة الالم. آنذاك فقط عرف حقيقة تحذير امه و عرف ان ذاك الابريق المزخرف كان فخ وقع فيه

كذلك انت مثل هذا الطفل، لم تنضج بعد و لم تكف من السير خلف شهواتك واهوائك، و لست تسمع تحذير و نصح من هو احن عليك منك و من امك فكان لابد من الالم حتى تنصج ، حتى تعقل ، حتى تدرك ، حتى ترى بيقين ان كل تلك الاشياء التي تعلقت بها فخا لا يتأتى منه الا الاذى

ان هذه الالام هدايا من مولاك حتى يوقظك من غفلتك, حتى يسير بك اليه, حتى يسعدك و يقر عينك و يذيقك سعادة الابد التي هي  » هو  » …فتعلم انه لا حبيب لك سواه و لا مطلب لك غيره

اجبني ايها القلب ؟ من ظل معك ؟ من وجدت في ضيقتك ؟ من اخرجك من شدتك ؟ اين هي الان تلك الاغيار التي همت تعلقا بها و وهبتها سنين حياتك ؟

القلب : انت تقول الحق ايها الرفيق, انت تقول الحق, إسود وجهي خجلا من مولاي ! الويل لي

الروح : إذا فحتام التعلق بالسراب ؟ اين عقلك ايها القلب ؟ وجب ان تكون شاكرا ممتنا لعذاباتك لا ساخطا متذمرا ، فهي التي ايقظتك من سباتك حتى غصت في السؤال و الحيرة. كيف كنتَ لتعرف ان هذه الدنيا لا وفاء لها و محض خيال لولا الالم و العذابات المحن ؟ كيف كنت لتعرف ان هذه القلوب تتخلى و تترك و تتقلب لولا الالم و العذابات و المحن ؟ كيف كنت لتصل لقناعة ان كل شيء من حولك سراب و وهم لولا الالم و العذابات و المحن ؟

انظر كيف جعلوك حزينا ،كئيبا، كسيرا ،وحيدا ..هذا ما جنيت منهم ! وهذا حال كل من تعلق بغير الله المحبوب الاحد, ان مولاك منشغل بك, منشغل بردك اليه, منشغل بفتح عينك عليه, انه لا يتركك طرفة عين ،لانه يحبك و يريدك له و إلا لما ارسل جنده من الالم لينتشلك من وحل غفلتك, كان ليتركك غافلا، لاهيا ، لاهثا وراء لذائذك و اغدق عليك الدنيا كلها حتى تموت كجيفة في هذه الحظيرة و لكن لأن الدنيا بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة لم يرضها لك ، و رضي لك ان ترضاه، و لا ترضى سواه

فانت ايها القلب في القيمة اسمى من العالمين، فكيف رخيصا تبيع نفسك؟ و كيف تقبل ان تظل اسيرا لهذه الدار الفانية و انت من ذاك العالم القدسي الباقي، ألا فانطلق لانطلق معك، فمن الظلم ان تبقى هنا كالاسير . ذاك العشق الذي كنت تنشده و كان ضالتك ليس إلا الله المعشوق الاوحد لا سواه, ذاك المعشوق الذي اذن لي بالكلام حتى ادل حيرتك ،إذ عز عليه انينك و دمعتك

القلب: ايها الرفيق الشفيق, الويل لي و الثبور ! لقد غرقت في بحر الخجل من مولاي, انا الذي كنت على الدوام اشكوا من قلة الوفاء ، كنت في الحقيقة انا اعدمهم وفاء إذ اعرضت بكلي عن مولاي

الروح : نعم ايها الرفيق, كل من ادرك خطأه سارع لاصلاحه بسرعة عشرة جياد ، ذلك انه لا يطير صوب ذي الجلال من لم يعترف بتقصيره و حقارته و ظلمه فأسل الكثير من دمك في هذا الطريق و حطم كل تلك الاصنام في معبدك ،و اجلوا مرآتك ايها الصديق ، بدوام ذكر مولاك و جل فيه بفكرك ،و اياديه عليك و تألق في طلب وصاله كالنهار، و اذب وجودك في وجوده كما يذاب النحاس في كيمياء التبديل. هكذا سنحيى معا ايها الرفيق، فانا من طهرك و صفوك اسكر حد الثمالة ، فانا سكير لا افيق

انت الغرض ايها القلب و انت الجوهر و انت عرش الرحمن بل اعظم, اخلع جلبابك و نعليك و لتنطلق صوب ذي الجلال و احذر الغفلة عن جنابه ، و عن خصومك ، فقد اقسم الشيطان على الانتقام فكن على حذر

طر ايها القلب لاطير معك، فالحبيب ليس له مثيل و وصاله سعادة الابد, هيا لنحلق فقد جف دمعي الجاري من فراقه ، و احترقت من شوقي و ولهي ،و في غربتي احتسيت الدم

القلب : كانت آلامي نارا تبدوا امامي ، فإذ بها نور و جلاء لبصري, ابصرت بها كنزا مخفيا عني، كنت استبدلته من عماي بحبة بلا قيمة ! ألا ايها الحبيب إن كانت الالام تاخذني صوبك اكثر ،فصب علي منها اكثر ،و دعني احترق ايها الحبيب اكثر فأكثر ،حتى اصير انا رمادا و ابقى انت…انت فقط

ايها العشق انا في حاجة اليك، و مثلي كمثل الرضيع الباكي فلا تحرمني العطاء ، الا فلتجعل حنانك ينهمر علي و عاملني بلطفك و كرمك الذي ما رايت منك سواه. ايها الحبيب الآسر ان كنت طول عمري في البعد عنك, فأنا الان متحسر نادم على ذلك الوقت الذي مر من دونك ، و إن كانت لي من ايام آتية فلأجعلنها خالصة لك، و لاملانها بدمع عيني الجاري شوقا إليك ، و لأقفن على اعتابك ما ابرح ، حتى تعود الامانة اليك

نعم يا اخ الروح, هذه كل الحكاية ، و هذه النهاية بداية, بداية لأعذب قصة عشق، بينك و بين ذاك المعشوق الاوحد

لا اله الا الله

 

إقرأ أيضاً

ماهي عقود الروح قبل الولادة ؟

ليلة الروح المظلمة

علامات تشير إلى أن روحك كانت هنا من قبل

ما هو نداء الروح : اشارات تدلّ على أنك تتلقى نداءً روحيّا

ليه اخترت تنزل الأرض ؟

اختبار ممتع ، اختر رمزًا واكتشف ما تريد روحك أن تخبرك به

 

بسمة أمل

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *