كيف نظلم أنفسنا والآخرين بتجميدهم في الماضي Update-أعمل

كيف نظلم أنفسنا والآخرين بتجميدهم في الماضي Update- أعمل

 

أكبر ظلم قد تُلحقه بأحدهم هو أن لا تراه على حقيقته.. نعم، ألا تراه حقاً.. بمعنى أن ترى فقط الصورة التي رسمتها له في ذهنك.. تلك الصورة التي ربما كونتها عنه من موقف قديم أو تفاعل مر عليه الزمن، سواء كان ذلك منذ عام أو عامين، أو حتى منذ عشر سنوات.. أو ربما كان فقط من الأمس. ومن خلال ذلك، صنعت تصوراً ونسجت فكرة عن هذا الشخص، وتثبتها في ذهنك، وتوقفت عن رؤية الشخص الحقيقي، فلم تعد ترى إلا الصورة التي في ذهنك

بمعنى آخر، الشخص الذي أمامك قد يتغير ويتبدل، سواء للأفضل أو للأسوأ، بينما أنت ما زلت تراه بنفس الطريقة القديمة. الزمن يمر، والساعات والأيام والسنوات تتغير، لكنك مصر على أن توقف الزمن عند لحظة قديمة، موقف كان له ظروفه وتفاصيله الخاصة، وقد يكون الشخص الذي أمامك الآن مختلفاً تماماً عن ذاك الشخص الذي تعاملت معه في الماضي

علماء مدرسة الجيشتالت في العلاج النفسي يذكرون أنه عندما ينظر الفرد إلى شجرة، تأخذ العين أول لقطة وتخزنها في الذاكرة، ثم تتوقف عن استقبال أي صور جديدة عنها إلى أن تهب رياح تحرك أوراقها وتُهز أغصانها. هنا تبدأ العين في الاستيقاظ مجدداً وتستقبل الصورة الجديدة. وهذه هي فلسفة مدرسة الجيشتالت، التي تركز على قوانين التجديد في الاستقبال وكيفية تأثير استقبالنا المبكر للمواقف في الطفولة، وثباتها دون مراجعة، على ما نعيشه من أعراض وأمراض نفسية لاحقاً

نحن نميل إلى الراحة والسهولة.. مُدربين على تجنب بذل الجهد لرؤية أي شيء جديد قد يُربك تصوراتنا القديمة أو يهدم بناءً هشًّا شيدناه على مر السنين أو حتى في بضعة أيام. لأن الاعتراف بذلك يعني أنني أيضاً يجب أن أتغير مادام من أمامي يتغير، وأن أتحرك معه وأكون مستعداً لمراجعة أفكاري ومعتقداتي، وأكتشف أخطائي وأقوم بتصحيحها وتجديد رؤيتي مرة بعد مرة.. كل يوم. يااااه.. لا، دعنا كما نحن، ثابتين، نثبت الناس والأماكن والأشياء كما هي. كل شيء كما كان، كما استقبلناه أول مرة.. الجيد يبقى جيداً جداً.. والسيئ يظل في منتهى السوء.. والظالم يظل ظالماً.. والجميل يظل جميلاً.. والقبيح لم يتغير. نعيش ونحبس أنفسنا ومن حولنا في قوالب جامدة، بلا حركة ولا حياة ولا تغيير

المشكلة الكبرى في هذا التفكير هي أنه يناقض الطبيعة. هو ضد الكون وقوانينه، وضد البشرية نفسها. الكون يتغير في كل لحظة، الأرض لا تتوقف عن الدوران، مثلها مثل كل الكواكب والنجوم وحتى المجرات التي تتحرك بلا توقف. كل لحظة تأتي بموقع جديد وإحداثيات مختلفة لا تتكرر أبداً. الليل والنهار، فصول السنة، مواسم الزرع والحصاد.. كلها نماذج للحركة والتغيير المستمر

حتى جسدك.. خلايا تموت وأخرى تتجدد، دماء تتدفق في أوردتك وشرايينك، نبضات لا تتوقف، أنفاس تتلاحق، هضم وتمثيل غذائي وإخراج.. كلها دورات حياة كاملة تحدث في كل خلية من خلاياك

الحركة هي الأصل.. والتغيير هو الطبيعة. لكننا نثبت أنفسنا، ونثبت الآخرين عند موقف أو تفاعل أو كلمة أو نظرة أو غلطة أو لحظة ضعف أو فشل، أو حتى نجاح، فنحرم أنفسنا وغيرنا من فرص جديدة ورؤى مختلفة. نصبح مثل الذين قيل فيهم: لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها

هل فعلت ذلك من قبل؟ لا بأس.. لأنك الآن بعد قراءة هذا الكلام، لست كما كنت قبله. وأنا أيضاً.. قبل الكتابة غير بعد الكتابة

هل تعرف برامج الكمبيوتر التي تحتاج إلى « تحديث » كل فترة؟ أنت بحاجة أيضاً إلى تحديث رؤيتك لنفسك وللآخرين باستمرار. ستكتشف وترى أشياء جميلة لم تكن تلاحظها من قبل

مثل الكتاب الناجح الذي يصدر منه طبعة أولى، وثانية، وثالثة.. أنت بحاجة إلى إصدار طبعة جديدة كل دقيقة لنفسك وللناس ولكل ما حولك. طبعة تكون أنقى، وأحدث، وأوسع، وأشمل، وأرحب، وأوضح

لا تثبت نفسك أو غيرك.. لأنك بهذا تستهلك طاقتك وتستنزف من حولك، وتحرم نفسك وتحرمهم من أي أمل في التغيير

فلنقم الآن بتحديث أنفسنا معًا

 

إقرأ أيضاً

كيف تقدر جسدك وتحب نفسك

اجذبي ما تشائين اليوم : حديث ملهم من لويزا هاي

كيف نحمي أنفسنا من الحسد ؟ تطبيق عملي

طرق لتتوقف عن كراهية نفسك

الوقت المناسب للتخلي عن حبك له, والبدء بحب نفسك

علم الغفران السماوي : القانون المبجل الذي يحكم كل شيء

 

د. محمد طه

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *