متلازمة الضمير

متلازمة الضمير

 

إذا لم نستفق رغم كل تنبيهات الضمير فسنواجه الابتلاءات الربانية (شترستوك). قال النبي صلى الله عليه وسلم « الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس » رواه مسلم، فجملة « ما حاك في نفسك » تدل على متلازمة سياط الضمير التي تتراوح بين الضرب و الوخز الذي نشعر به حينما نقترف شيئا من خطايا الحياة

وهذا طبيعي إذا كان الأمر متعلقا بالخطيئة أو التقصير كما تقول الحكمة « من قصر في العمل ابتلي بالهم »، فالطالب الذي أدى واجباته الدراسية على أكمل وجه ليست أحواله النفسية مثل ذلك الطالب الذي قصر في حل واجباته، إذ سيأتي إلى المدرسة بخطوات ثقيلة مليئة بالقلق والخوف

وهذا هو الصحيح أن يسلط الإنسان شمس وعيه التام على جليد الغفلة التي نهانا الله سبحانه عنها في الكثير من الآيات القرآنية التي ركزت على فكرة التذكر الدائم، والحضور الذهني المتكامل أمام عثرات الحياة، مثل آيات « كلا إنه تذكرة »، « فما لهم عن التذكرة معرضين » المدثر، « لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية » الحاقة، « إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا » المزمل، وغيرها من الآيات التي تطالبنا باليقظة الواعية الدائمة تجاه جميع أفعالنا وكل تصرفاتنا في العبادات والمعاملات، خصوصا أن المواجهة الربانية في يوم الحساب سيتم فيها السؤال عن كل شيء كما قال الله في ختام سورة الزلزلة « فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8) »

وكأن الله سبحانه وتعالى يمنحنا الضمير كفنار نرى به في ظلمات بحار التيه والضياع، وكأنه المنبه الذي يوقظنا من سبات الغفلة أو هو الصدمة التي تجعلنا نغادر وحل الخطيئة

وحينها إذا لم نستفق رغم كل تنبيهات الضمير فسنواجه الابتلاءات الربانية التي يبتلينا الله سبحانه وتعالى بها، سواء كانت ابتلاء نعم أو نقم لكي تصقلنا، كما يقول الناس للمريض « طهور »، لأن المرض من الابتلاءات التي تطهر الإنسان من درن الخطايا

ويمكن للإنسان قبل ذلك كله أن يطهر نفسه بنفسه كما قال الفيلسوف جلال الدين بن الرومي « كن كالثلج الذائب، طهر نفسك من نفسك »

ولأن الله -سبحانه وتعالى- وصفنا في سورة المعارج بقوله « إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21) » فنشعر أحيانا أننا نركض فرارا من الابتلاءات التي تطاردنا هنا وهناك، وتتنوع في أشكالها وأنواعها من مرحلة الطفولة حتى المشيب كما قالت العرب « انتظار العذاب أشد من وقوعه »

ولأن الطفولة خالية من التكليف المرتبط بالبلوغ، فكل الصعوبة تكمن في ابتلاءات الكبار الذين لم يعد يخيفهم الضرب أو بالأصح لم يعد موجها لهم، فهنا تأتي الابتلاءات الحقيقية والعقوبات التي تتجسد في « تأنيب الضمير » الذي يمكن أن تحرق سياطه الإنسان وتعصف به نحو الكثير من المعاناة والألم

ويمكن أن تتجسد أيضا في « الأمور المبعثرة » كأن تقف في حياة الإنسان عقبات يجد نفسه حائرا في فك خيوطها، وتحصل له أحداث يجد معاناة في فك طلاسمها، وتقفل أمامه أبواب لا يجد مفاتيحها، وتعرقله معضلات لا يهتدي إلى فك شفرات أسرارها، ليجد نفسه واقفا عند باب الحيرة تائها في صحرائها يبحث عن المخلص

والمشكلة أن الإنسان كلما كبر في العمر افتقد للتوجيه الأبوي، فيتخلى عنه الجميع ويتركون المهمة لبوصلة الضمير التي يتحكم الران في صفائها من عدمه كما قال الله في سورة المطففين « كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون »

إنها إذن لعبة الأوراق الرابحة والخاسرة التي يحدد فيها الإنسان -بنواياه وأفعاله- النتائج التي يريد كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحج « أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور »

وإذ أطفئت الأنوار ومالت الطرق نحو الظلام يجد الإنسان نفسه أمام زحمة من القرارات المبعثرة، ويتحول أمامه الطريق إلى مسارات متعددة لا يعرف فيها الصواب من الخطأ، ولا يعي على أي أرض يقف، ولا يعرف أين الحقيقة، ويحتار بين المحكم والمتشابه، ليبقى في دوائر صفرية تحمل شعار مكانك سر، وحينها سينطبق عليه قول القائل « يقضى على المرء في أوقات محنته.. حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن »

ومنها أيضا « عدم التسخير » من أبسط الأشكال إلى أكبرها، فيجد الإنسان نفسه محاطا بوحدانية قاتلة، فالكل ينسحب في اللحظة غير المناسبة، والأبواب توصد في اللحظات غير المتوقعة، وحتى اللقاء الباسم يتحول إلى عبوس مرعب، لتتحول المساءلة إلى نهايات غير مفتوحة

واللوم عندما يأتي بطريقة مهذبة ويصاغ بأسلوب محترم فيجد المخطئ نفسه أمام كلمات يتمنى الضرب بالسياط بدلا عنها، ويستمع إلى عبارات يتمنى لو أنه في تلك اللحظة كان في عداد الموتى

والمشكلة ليست في متلازمة الضمير المقابلة للخطيئة بقدر ما تكمن في متلازمة الضمير الخالية من الخطيئة التي قد يصل فيها الإنسان إلى الوسوسة، فيظن صوابه خطأ ويظن حسناته سيئات، بسبب سوء الفهم لما طالبه به الله سبحانه وتعالى في الحياة، ولهذا يمكننا أن نقول دائما « اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه »، « يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فلا تكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك وأصلح لي شأني كله »، لكيلا تنطبق علينا مقولة « إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده »

 

إقرأ أيضاً ما هو صوت الضمير وكيف يعمل في حياتنا في كل شاردة وواردة بالضغط هنا

إقرأ أيضاً كيف ترفع استحقاقك ؟ بالضغط هنا

إقرأ أيضاً احترام الذات : 3 عادات قوية لبناء احترامك لذاتك : لويز هاي بالضغط هنا

إقرأ أيضاً كيفية تقبل الذات و إكتساب مهارات التقبل بالضغط هنا

إقرأ أيضاً تأمل إحتضان الذات و رفع ذبذبات الحب بالضغط هنا

إقرأ أيضاً الحوار مع الذات و مناعة الكلام السلبي مع أمثلة للتوضيح بالضغط هنا

إقرأ أيضاً رحلة الوعي و التناغم مع الذات بالضغط هنا

 

 

حمد عبد العزيز الكنتي

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *