مراحل الغفران الأربع : رؤية في العمق

مراحل الغفران الأربع : رؤية في العمق

 

عندما نتغلب على المعاناة، نفهم بشكل أشمل ما يعنيه أن تكون متواضعاً و شجاعاً و محباً في العالم. من الصعب مسامحة شخص ما عندما يجرحك، فبالإضافة لشعورك بالغضب و الإحباط، سترغب أن يشعر الشخص بنفس الألم الذي تشعر به. و لكن ذلك لن يغير شيئا و لن يجعل الأمور أفضل، إذ لن يصلح أي قدر من الغضب والكراهية ما قد تضرر

في الواقع، كلما زادت المشاعر السلبية التي تتمسك بها، زادت صعوبة الشعور بالتحسن، و المسامحة فقط ستمكنك من تحرير نفسك و عقلك لإيجاد حل للخروج من هذا الموقف. عندما تمر بمراحل الغفران، ستتمكن من إصلاح العلاقات و إنقاذها. عندما تعرف كيف تسامح شخصاً و تتغلب على المرارة التي خلفها الموقف، سيكون ذلك مفيداً للغاية، و لكن من الواجب التذكير أن الغفران يكون دائماً إختياراً و ليس إكراهاً. و عندما تختار أن تسامح شخصاً أساء إليك، فإن تصرفات و أفعال الشخص الآخر تفقد تأثيرها على روحك و عقلك لأن الغفران تعبير عن سيطرتنا الشخصية على أفكارنا ومشاعرنا وحياتنا

إن مسامحة الآخرين ليست أمرا هيناً لكننا نحتاج إلى الغفران لأنه يحررنا من الألم و الكراهية و السلبية. أن تقول أنك سامحت شخصا ما أسهل من مسامحته فعلا، و ربما هذا ما يسبب إساءة فهم معنى الغفران في كثير من الأحيان. إن مسامحة الآخرين عملية و ليست شيئاً يمكنك القيام به على الفور، و قد طورت نظرية مراحل الغفران الأربع, أنشأت نموذجاً شاملاً يمكن أن يسمح لنا بفهم العملية بشكل أفضل و تطبيقها في حياتنا بشكل أكثر فعالية. إن المسامحة هي الخطوة الأولى لشفاء نفسك عندما تكون في أسوأ حالاتك، و بعد إجراء عدة دراسات مختلفة ، طورت نموذجاً يمكن تلخيصه في المراحل الأربع التالية

المرحلة (1) الكشف

تتطلب المرحلة الأولى من عملية الغفران أن تتعرف على ألمك الداخلي و تتعايش معه وتعالجه. عبر عن مشاعرك وحاول التعرف عليها. فكر في هذه الأشياء

١-الشخص الذي جرحك
٢-الطريقة التي تأذيت بها
٣-ما الذي جعل هذه التجربة مؤلمة للغاية بالنسبة لك ؟
٤-كيف تصف مشاعرك بدقة ؟
٥-كيف ستؤثر هذه التجربة على علاقتك بذلك الشخص ؟

تجبرك هذه المرحلة على مواجهة مشاعرك و مواجهة التجربة والألم الداخلي لفهم ما تمر به تماماً، وعندما تتمكن من فهم الموقف ومن فهم عواطفك بشكل كامل، يمكنك بدء عملية الغفران التي ينبغي أن تمكننا من التعامل مع جميع المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق وتدني إحترام الذات وإنعدام الثقة، وكلما زاد الألم الذي عانيت منه إحتجت أكثر إلى مسامحة نفسك والآخرين من أجل تحقيق الشفاء العاطفي

المرحلة (2) إتخاذ القرار

بمجرد التعامل مع مشاعرك الداخلية، يمكنك الآن بدء عملية الغفران. إن اتخاذ قرار فعلي بمسامحة شخص أساء إليك هو إحدى المراحل الأساسية للمسامحة الفعلية، و رغم أنه ينبغي علينا إختيار مسامحة شخص ما، إلا أنها غالباً ما تكون عملية طبيعية، ففي معظم الأوقات، نقرر مسامحة الآخر لأننا أدركنا في وقت ما أن المشاعر السلبية لا تفيدنا بأي شكل من الأشكال

إتخاذ القرار يسرع عملية الشفاء الذاتي : تبدأ المرحلة الثانية عندما ندرك أن الغضب أو الاستياء لا يجعلنا نشعر بتحسن تجاه ما حدث. نحن بحاجة إلى الغفران لأن مثل هذه المشاعر الصعبة والمدمرة يمكن أن تؤثر على صحتنا الجسدية و إستقرارنا العقلي و توازننا العاطفي و تمنعنا من بناء العلاقات. و رغم أنك قد تشعر بإحساس بالسيطرة أو القوة عندما ترفض أن تغفر للآخرين، إلا أن إخفاء الألم الداخلي و التظاهر بأنك بخير ليس سوى خداع لنفسك

قد يشعرك الإنتقام بالرضا في الوقت الحالي، لكنه في النهاية سيلحق بك ضرراً عقلياً و عاطفياً أكثر مما تتخيل. لا يمكنك أبداً أن تتخلص من ألمك عن طريق إعادته إلى من أذاك، يمكنك فقط تخفيف الألم عن طريق مسامحة الآخرين و التخلي عن غضبك

الغفران يشمل معاني الرحمة و التعاطف و الخير، و يتلخص الأمر في إختيارك أن تكون لطيفاً مع شخص أذاك أو أساء إليك رغم أنه قد لا يستحق مثل هذا اللطف. الغفران لا يعني نسيان ما فعله بك الآخرون أو التظاهر بأنهم لم يؤذوك، و لكن الأمر يتعلق بكونك قررت أن تتجاوز وأن تكون أقوى

يمكن أن تساعدنا مسامحة أنفسنا و الآخرين على تعزيز إحترامنا لذاتنا و قوتنا الداخلية و الشعور بالأمان. الغفران يضفي معنى و هدفاً على حياتنا و يمكننا من الإستمرار في الحياة بكل فخر و فرح

المرحلة (3) العمل

تستلزم هذه المرحلة إعادة صياغة قصتك و إكتساب منظور جديد و إلقاء نظرة على الحادث من وجهة نظر الشخص الذي آذاك. يمكن أن يساعدك هذا في أن إكتساب نظرة أكثر موضوعية و فهم أفضل للموقف, يمكن أن يساعدك هذا أيضا في إدراك الشيء الذي أدى فعليا للموقف الذي عشته

هذه إحدى مراحل التسامح التي تتيح لك أن تكون أكثر تعاطفاً و رحمة و إنسانية، و هي المرحلة التي تجعلك تقبل كون ألمك الداخلي جزءا من الحياة و تتخلى عن أي ذرة من الغضب أو الكراهية التي تحملها بداخلك

في هذه المرحلة، تختار الإعتراف بألمك لفترة وجيزة من الوقت، ثم تحول تركيزك الكامل للتخلي عن تلك المشاعر الصعبة أو إصلاح العلاقة من خلال العمل على حل المشكلة. و بغض النظر عما ستفعله، فإن قرار الغفران سيغير مسار حياتك نحو الأفضل

المرحلة (4) التعمق

بعد أن تبدأ العمل على مسامحة شخص أساء إليك، ستختبر فوائد التخلص من المشاعر السلبية على غرار الإستياء و الغضب و القلق. سيساعدك هذا أيضاً على فهم المعنى الحقيقي وراء تجربتك السلبية ومعاناتك. ستدرك كيف أدت هذه التجربة بأكملها إلى تحرير نفسك الداخلية و كيف تطورت كإنسان و كيف ارتقى قلبك و عقلك و روحك. كل هذا يأتي مع قدرتك على الغفران

يمكن أن يكون البحث عن المعنى وراء معاناتنا عوناً كبيراً لأنه يساعدنا على الشعور بالغاية من الحياة. الغفران قد يجعل الناس أكثر مرونة أو شجاعة، بينما قد يجد البعض منا أن تجربته السلبية أو المؤلمة قد غيرت وجهة نظره في الحياة، و ذلك يساعدنا على بناء أهداف جديدة وأكثر أهمية على المدى الطويل

المرور بمراحل الغفران و مسامحة الآخرين على أخطائهم تساعدنا على الشفاء نفسياً و عاطفياً، و ربما يكون الغفران أفضل طريقة للرد على موقف مؤلم. إختر الغفران

بعد أن تعرفنا على مراحل الغفران، لعلنا نفهم بشكل أوضح كيف يمكن لمسامحة الآخرين حقاً أن تحسن حياتنا وتشفينا, يسمح لنا الغفران بتحويل الأذى إلى أمل و تحويل الألم إلى سلام داخلي و رغم ذلك، فإن الأمر يعتمد على إختيارنا أن نغفر للشخص الآخر أم لا

يجب أن تفهم و تدرك قوة إختيارك الشخصي و مدى أهمية إستخدام هذا الخيار لصالح صحتك العقلية و العاطفية. يمكننا الألم من النضج و إكتساب وعي جديد و تواضع و شجاعة، لذا مهما بدأ الأمر صعباً الآن، أختر دائماً المسامحة بدلا من الألم، إسمح للمغفرة أن تحررك وأبدأ الآن

إليكم أقوى تمرين كتابي حول التسامح : حمل التمرين و إشتغل عليه إضغط هنا للتحميل

 

إقرأ أيضاً

علم الغفران السماوي : القانون المبجل الذي يحكم كل شيء

تحميل كتاب تشخيص الكارما : سيرجي ن. لازاريف

 

 

أحمد عبد العاطي

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *