منذ الأزل وحتي نهاية الكون يتألم الإنسان ، قليلون هم الذين ينجون من هذا الألم ، والشقاء ، والأمراض النفسية والعضوية ، فما هي كلمة السر لسعادة أبدية أو لشقاء غير محدود ؟ قد يدفع الإنسان فيه حياتيه الأولي والآخرة ، وقد يدفع فيه صحته ، سعادته وراحة باله ! كيف يمكننا أن ننجو من وحل اللاسلام الذي يجعل رحلتنا نحو السلام الداخلي مرهقة للغاية ، ونعود لفطرتنا حتي نصبح طريق للخير والجمال في هذا العالم بالتأكيد الإجابة صعبة ومحيرة وقد ينفق الإنسان كل عمره دون تحقيقها ، لهذا حاول المعلم الروحاني والطبيب النفسي العالمي ديفيد هاوكنز letting goتجربة عمره الطويلة في العلاج النفسي والإستشفاء الروحاني في كتاب مُرشد أسماه
وتمت ترجمته للغة العربية بعنوان « السماح بالرحيل » أكد هاوكنز في مقدمته للكتاب أن الخالق سبحانة وتعالي أرسي داخلنا (الجنة ) وفيها السعادة والنجاح والصحة والعافية وكذلك الحدس والحب غير المشروط كل هذا علي الفطرة فكيف تتبدل هذة الفطرة ويتحول داخلنا السعادة لشقاء والصحة لمرض والعافية لألم والحب المشروط لتجارب مؤلمة وكيف نعود مرة أخري لما فطرنا عليه الخالق لنعيش جنته علي الأرض بصحة وراحة بال وتسامح وابداع علي مدار قرون كان الهدف من الطب النفسي هو تخفيف معاناة الناس وتم اكتشاف العديد من التخصصات كعلم النفس والطب النفسي والعلاج السلوكي وعلي جانب آخر كانت هناك نظم فلسفية وسُبل روحية ودورات دعم وتطوير الذات وغيرها لتوسيع نطاق الوعي وراحة النفس ، ومع كل هذة الإكتشافات وُجد أن آلية التسليم (السماح بالرحيل) فائدة كبيرة وبسبب أهميتها في شفاء أمراض النفس والأمراض العضوية الناتجة عنها في كل في جسم الإنسان قرر دكتور هاوكنز مشاركة الآخرين ما تم ملاحظته سريرياً ، ما تم تجربته شخصياً علي مدار سنوات عمله الطويلة ، وكانت الإجابة علي السؤال المحير كيف نتحرر من المشاعر السلبية وتأثيرها في الصحة والعلاقات والعمل وكذلك كيف يمكننا التعامل مع المشاعر غير المرغوب بها ونقضي بهذة التقنية النفسية (التسليم ) علي العقبات والتعلقات والتي أثبت العلم الحديث فاعليتها أكثر من التقنيات النفسية والعقلية الأخري اتي تعمل علي تخفيف ردات الفعل الفيزيولوجية تجاه التوتر خاصة وأن المشاعر تسير العقل وأفكارة وبالتالي الصحة والعمل والحياة والعلاقات ولأن أكثر الناس يقضون حياتهم في قمع مشاعرهم وكبتها أو التهرب منها ،فان الطاقة المقموعة تتراكم وتبحث عن مخرج للتعبير من خلال الآلام والأمراض النفسية والإضطرابات الجسدية والسلوك المضطرب في العلاقات الشخصية بالإضافة إلي أن المشاعر المتراكمة تعيق النضج الروحاني فضلاً عن اعاقتها للنجاح في الكثير من مجالات الحياة بالطبع يصعب اختصار كتاب علمي تزيد صفحاته عن 370 صفحة متوسطة الحجم في مجرد مقال لأن التقنيات النفسية وطريقة تطبيق طرق التحرر من كل ألم سببه موقف نفسي علي جسدنا أو حياتنا تحتاج استفاضة وشرح وتطبيقات لها مساحتها ، لكن دعوني الآن ألقي الضوء علي المبادئ العامة لتقنية التسليم أو التخلي عن التعلقات والسماح بالرحيل مع الوضع في الإعتبار أن هذا لن يغني كلياً علي القراءة المتعمقة للكتاب محور التجربة معلومة مهمة يجب أن نعرفها أولا عن أنفسنا وهي : أن التعلق بالأشياء أو بالأشخاص في حياتنا قد يكون عائقاً عن الراحة واالتقدم في حياتنا ، لأنه يكون سجنا لما نتعلق به ، الاشخاص الذين نتعلق بهم يحسون ذلك ، ولانهم يحبون ان يكونوا احرارا يهربون منا ، مهما كانت درجة الحب أو الصلة ، كذلك فان الرغبة الشديدة مثل (التعطش) ، كثيرا ما تمنعنا من الحصول على ما نريد ، اذا تعمقنا أكثر في مفهوم ومعني التعلق سنقول : أنه التبعية وهذا المفهوم (أي التبعية) تحمل في جوهرها الخوف من الخسارة ، ومعنى ان تسلم هنا أو تسمح برحيل التعلق ، بالأشخاص ، أو بالأشياء ، في حياتك : أن تكون لديك مشاعر قوية تجاه امر ما ، ومع ذلك يقين قوي أنه ، لا مشكلة في ان يحدث هذا الشيئ أو لا يحدث ولكي تتحرر من التعلق بالآخرين: فقط اطرح على نفسك هذا السؤال : إذا كانت سعادتهم ستحقق على أكمل وجه برحيلهم عني فما شعوري حيال هذا ؟ ان الاخرين فعلياً يبادلونك المشاعر التي ترسلها انت، فلماذا لا تعطيهم المشاعر التي تريد ان تحصل عليها في العلاقات تتحقق الأهداف بتلقائية وسلاسة لأننا لا نكن للاخرين اي مشاعر سلبية ، وليس هناك ما نتمنى ان نخفيه عن الشخص الاخر ، وهذا الانفتاح يسمح للشخص الاخر ان يتخلى عن كل دفاعاته فليس هناك ما نخفيه من باب الشعور بالذنب ، أو الخوف ، بل أُلفة روحية واعية جدا، وفي هذا المستوى بالذات يحدث بما يسمى بالتخاطر فعندما نكون في حالة تناغم وانسجام تام مع الشخص الاخر لا تكون عندنا رغبة في منع او حراسة اي فكرة او مشاعر وعندما نستسلم لا يعود هناك ضغط ، فالاحباط ياتي من الرغبة بحدوث الشيئ الان بدلا من سماح له بالحدوث في وقته الطبيعي الخطوة الأولى والهامة هنا: ان تسمح لنفسك بان تشعر بالشعور بدون مقاومته او الهروب منه او الخوف منه او ادانته ، أو تهذيبه ، فالتقنية عبارة عن بقائك مع الشعور وتخليك عن اية جهود تسعى لتحسينه باي حال من الاحوال – مبدأ مهم آخر يرسيه د.هاوكنز للتخلص من ألم الكثير من الندبات النفسية بداخلنا أنه : يكفينا لوم وتانيب لانفسنا وللآخرين، لقد قمنا كلنا بما ظننا انه الافضل في لحظة معينة وكذلك هم فلاداعي لاجترار ألم موقف حدث كما كان مقدراً له أن يحدث وفقاً للخبرات أو للظروف حتي لو كان خطاً أو تسبب في أذي لنا أو لغيرنا ، ومهم هنا أن نعي جيداً أن : ان القبول بالمشاعر ، والمواقف ، والأشخاص يختلف عن التنازل ، فمع التنازل يكون هناك بقايا من مشاعر سابقة بالإضافة إلى وجود مقاومة ومماطلة للاقرار بالوقائع ، في التنازل يقول لسان الحال « لا احبذ هذا ولكني مضطر على ان اتحمل ، بينما في القبول فقد تم التخلي عن مقاومة طبيعة الوقائع الحقيقية ، وبهذا تعد السكينة احد علامات القبول ونتائجة ويؤكد د.هوكنز أن اكثر ال « لا استطيع « هي بالاساس »لا أريد » وخلف لا استطيع ولا اريد توجد مشاعر سلبية علينا ان نسمح لها بالرحيل وأننا أسري مشاعر سلبية يجب علينا السماح لها جميعاً بالرحيل وعليه يجب أن نُعدل أفكارنا ليحل الحب مكان الخوف ، وتحل الطمأنينة مكان القلق ، والرضا والتقبل مكان الرفض والإحساس بالذنب أو بالألم أوالقهر . دعونا الآن نعيد صياغة أفكارنا التي تحدد مشاعرنا وسلوكنا لنتسائل معاً
ألا يمكن ان نهتم بجسدنا لاننا نقدر قيمته ونحب أنفسنا ونحبه، بدلا من الخوف من المرض لا يمكننا ان نخدم الاخرين بدافع الحب بدل الخوف من خسارتهم ألا يمكن ان ننجز أكثر من باب التعاون بدلاً من المنافسة الخائفة ألا يمكننا ان نقود سيارتنا بحذر لاننا لدينا تقدير كبير لذاتنا ونهتم بسلامتنا وسلامة من يحبونا بدلا من الخوف من الحوادث أسئلة واجابات وممارسات كل وظيفتها اتساع الادراك والوعي والتخلي عما يؤلمنا سواء في النفس أو في الجسد أو في العلاقات وفي النهاية يتم تسليم كل فكرة أو شعور أو رغبة أو عمل للإله لأنه بالفعل الفاعل الأصلي في خلقنا ووضعنا في ظروف بعينها ومنحنا أو منعنا من خبرات معينة ولذلك لابد وأن نسمح برحيل كل من يبعدنا عن وعينا بحقيقة وجودنا واتصالنا بذاتنا الحقيقة واتصالنا بالاله مهما اختلفت دياناتنا أو جنسياتنا أو درجة تديننا وفي الانفصال عن الألم والاتصال بالكمال الإلهي قمة الراحة والسكينة وبهجة الحياة