نصائح علم النفس للتغلّب على عادة التسويف

نصائح علم النفس للتغلّب على عادة التسويف

 

١- ما يجب أن تعرفه

لماذا لا تقرأ تقرير التسويف غدا ؟ قد يقفز هذا السؤال لرأسك بعد قراءة أسطر قليلة على اعتبار أنك لست مضطّرا إلى إلزام نفسك اليوم بإتمام بقية المحتوى ما دمت تمتلك إمكانية العودة إليه متى أردت. لكن هل تفعل ذلك حقا ؟

بعيدا عن الإجابة المباشرة عن سؤالنا أعلاه، فإن مشكلة التسويف وتأجيل المهام والتشتّت عنها تعدُّ واحدة من أهمّ العادات السلوكية التي يُعاني منها النّاس في حياتهم اليومية. بحسب عالم النفس ويليام كناوس، يُعرّف التسويف بأنّه: الانشغال والتشتّت الذي يسبق القيام بالمهام الرئيسة المُراد إنجازها، وإقناع النفس بإمكانية تأجيل إنجازها إلى وقتٍ لاحق، ما يؤدّي إلى ضياع الوقت وعدم إنجاز المهام عن طريق مواصلة تأجيلها وتأخيرها لوقتٍ لاحق

مشكلة التسويف أنّه يرتبط عادة بمشاعر سلبية بعد إدراك حدوثه، مثل التوتّر النفسي، والشعور بالذنب، والقلق بشكل رئيسي، وحين يتكرّر التسويف في المَهام الدراسية أو الوظيفية، فإنّه يؤدّي إلى الفشل، أو تدنّي درجات التقييم التي يحصل عليها الفرد، وربما التعرض للتوبيخ على أقل تقدير، ومن ثَم قد تقود هذه الدوامة إلى الإصابة بالاكتئاب نتيجةً للفشل المتواصل

ولا يقتصر التسويف على عدم فعل أيّ شيء يُذكَر أو القيام بأنشطة ذات طابع ترفيهي، إذ يأتي التسويف أحيانا على هيئة الانهماك بأنشطة أخرى ليست ذات أولوية، مثل ترتيب الملابس في الخزانة أو تنظيف المنزل. فالأنشطة التسويفية تتبدّل بحسب الظرف والسياق الذي نكون فيه، ففي الوقت المُخصّص لقراءة الدروس تكون مشاهدة المسلسلات نشاطا تسويفيا، لكنّ نشاط القراءة نفسه قد يكون نشاطا تسويفيا في سياقٍ آخر، أي إذا لجأ الفرد لقراءة كتب حُرّة في حين أنه لم يُتمم دراسة محتوى امتحان الغد. و بشكلٍ عام، يكون النشاط الذي نقوم به تسويفا إذا كان

غير ضروري : ليس أولويةً بالنسبة لاحتياجات الظرف الحالي
يستهلك الوقت : يستنزف وقتًا مُخصّصًا لنشاطٍ آخر
غير مُنتِج : مثل تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي بدون سبب ذهابًا وإيّابًا بدون فائدة تُذكَر

٢- لماذا يحدث التسويف ؟

لا يحدث التسويف بشكلٍ عشوائيّ أو عفويّ. في الحقيقة، نحنُ نسوّف أحد الأنواع الآتية من المَهام

مَهام حسّاسة ومَطلوب منّا أن نثبت جدارتنا في أدائها، بحيث يكون الباعث الحقيقي وراء التسويف هو, الخوف من الفشل
مَهام عادية وسهلة ولكنّها طويلة المدى، لكنّنا لا نحصل على مكافأة مباشرة أو لذّة فورية عند إنجازها أو عند الانتهاء منها

يُعدّ التسويف أحد السلوكيات التي يقوم بها الأفراد لتجنّب الانخراط بالنشاط الأساسيّ الذي يتسبّب بالخوف أو القلق، فهو طريقة سلوكية للهرب من مصدر القلق. لذلك، فإن الأنشطة ذات الأهمّية الكبرى عادة ما يرافقها الخوف من الفشل باعتباره الدافع الحقيقي وراء الهروب منها، مثل أن يطلب منكَ مديركَ في العمل أن تحضّر له تقريرا أو بحثا نهاية الأسبوع ليعرضه في اجتماع مهم سيحدّد مصير الشركة في الحصول على الصفقة من عدمه

من جهةٍ أخرى، يقوم نظامنا السلوكيّ على نظام المكافأة و العقاب الدماغيّ، و هو النظام الذي يحفّزنا لفعل النشاطات اليومية أو يمنعنا من الانخراط في أنشطة أخرى. بشكلٍ عام، حين نقوم بإنجازٍ ما، مهما كان بسيطا، فإنّ جهازنا الإدراكي يكافئنا عبر إفراز هرمونات تجعلنا أكثر سعادة ورضى. و هكذا كلّما أنجزتَ إحدى المهام اليومية مثل تنظيف المنزل، أو أداء فروضك المدرسية، إنجاز تقرير الوظيفة، فإنّ عقلكَ يمنحكَ جرعة من اللذة مكافأةً على جهودك ولتحفيزكَ على المزيد من الإنجاز في المرات المقبلة

لكن ما علاقة هذا بالتسويف؟ كان الإنسان في الماضي يقوم بمهام مباشرة يدوية يرى أثرها المباشر و يرى قيمة إنجازه على أرض الواقع. هذا كان يحدث بالزراعة مثلا، فحين تزرع و تحصد، و ترى مقدار ما أنجزته من أرضِك، و مثله على مستوى الحِرفة و الصناعة، فأنتَ تبذل جهدا لصناعة أداة لاستخدامها أو بيعها و ترى إنجازكَ أمامَك، فيمنحكَ دماغك الشعور بالرضا والسعادة والإنجاز. أمّا اليوم، فيغلب على المهام الطابع غير المرئي، إذ يقوم جزء كبير من النّاس اليوم بوظائفهم ضمن نظام مكتبي أو تقني على أجهزة الحاسوب، أو في منازلهم عن بُعد، وغالبا ما تكون المَهام مرتبطة بمشاريع طويلة المَدى، و رؤية تحقّق المنجزات على أرض الواقع أو الانتهاء الكامل منها مسألة تستغرق أشهرا أو سنوات عدّة. و هكذا فإنّ نظامَك الإدراكي لا يرى فيما تفعله قيمة تُذكَر على المستوى اليوميّ، فلا يفرز أيّ نواقل عصبية أو هرمونات لتحفيز مراكز الرضا والسعادة واللذّة. لذلك، قد يشعر معظم النّاس بعدم الرضا في وظائفهم وعدم الحافزية لتقديم المزيد

بناء على ما سبق، فإنّ النّاس يُسوِّفون و ينشغلون بالكثير من الأنشطة الصغيرة التي تُوفِّر لذّة لحظية و آنية و سريعة التحقيق، أي أنّنا نُعجِّل من إفراز هرمون الدوبامين بجرعات ضئيلة و محدودة عبر الانهماك بأنشطة غير مهمّة لكنّها تعود علينا بالشعور بالإنجاز، حتى إن كان إنجازا زائفا. يرتبط هذا بتحوّل أساسي في طبيعة أنماط المَعيشة الحديثة المتمركزة حول الاستهلاك واللهث حول ما هو مادي وآني، فالانهماك بكتابة منشور أو تعليق على مواقع التواصل الاجتماعيّ، أو مشاهدة حلقة من مسلسلك الذي تُحبّ، والّلعب للفوز على هاتفك الذكيّ، كلّ هذه السلوكيات تحقّق شعور اللذّة اللحظية، بديلا عن الانهماك بالأنشطة الكبرى والمهمة وذات الأولوية والتي ستطول لحظةُ تحقّقِ مُتعةِ إنجازها وعائدها التلذّذي

٣- ماذا أفعل للتغلّب على التسويف ؟

أولًا: قبل أن تبدأ بالمهمة، لا تفعل شيئًا

في البداية، لا تقرأ شيئا، لا تكتب، لا تمسك بهاتفك، لا تفتح التلفاز، فقط اجلس لتفكّر في نفسك، بعيدا عن ضغوطات الإنجاز و بعيدا عن مشتّتات المقارنة بالآخرين التي تخلقها منصّات التواصل الاجتماعي. تشير الدراسات إلى أن كسر حاجز الأفعال التلقائية يتطلّب الجلوس للتأمّل دون الانخراط بأداء أي نشاط آخر لعشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة، مهما بدا بسيطا، عبر ذلك تتلاشى تلقائيا حافزية العادات التلقائية وغير الواعية لصالح الأفعال الواعية

تكمن المشكلة الأساسية بالسلوكيات المُعتادة (العادات)، إذ يبدأ الإنسان بممارسة العادات دون وَعيٍ منه، وبطريقة تخضع للعقل التلقائي (القيادة الآلية). إنّك تجدُ نفسك تقوم بكثير من الأمور التلقائية، مثل أن تتناول هاتفك وتبدأ بالتصفّح العشوائي، أو أن تشاهد فيلما أو مسلسلا

ثانيًا: قسّم المهمّة المطلوبة إلى أجزاء

تتسبّب المَهام الكبيرة والصعبة بالشعور بالضياع أو العجز خلال أدائها وقبله، لأنّها تبدو كما لو أنّها مساحة غير محدودة و غير قابلة للإنجاز من شدّة ضخامتها. من هنا، تأتي ضرورة تقسيم المهمة الكبيرة إلى أنشطة صغيرة قابلة للتنفيذ، فبدل الشعور بأنّك في مواجهة بحث مُخيف وصعب، فأنتَ ستقسّمه إلى مهمّات صغيرة، مثل: قراءة المقال الأوّل، تحليل المقال الأول وتلخيصه، إعادة كتابة التلخيص بعباراتي الخاصّة؛ و هكذا ستشعر بأنّك تواجه مهام بسيطة و سهلة في كلّ مرّة. الأمر الأهم هو ألا تقوم من جلستك حتّى تنتهي من تلك المهام، و أن تضع علامة ترمز لانتهائكَ منها، و بذلك ستشعر بالإنجاز، و أفضل طريقة لذلك هو استخدام قائمة التحقّق من المهام أي « تشاك ليست »

ثالثًا: حدّد وقت دخول المهمّة ووقت الانتهاء منها

تتأسّس هذه الخطوة على إدراك واقعي بأنّ إنجاز المهام في الغالب يحتاج إلى أكثر من جلسة واحدة متواصلة، هذا يعني أن نكون واعين بأنّ كلّ جلسة لها حدودها على مستوى الإنجاز، و أنّ بعض المهمّات ستتطلّب العديد من الجلسات و الأنشطة. و إحدى الفلسفات الإدارية المُتّبعة في ذلك هو أن تُحدّد وقتا للدخول بنشاط لإنجاز المهمّة و وقتا للانتهاء من الجلسة وأخذ قسط من الراحة تحدّده مُسبقا، إذ لا يجب أن تكون الأنشطة الترفيهية دخيلة أو غير مُقرّرة مُسبقا أو غير مشروطة بنافذة زمنية؛ لكي لا تستبيح الوقت المخصّص للنشاط الرئيس

أحد الأساليب الشهيرة لتقليل التسويف وزيادة الإنتاجية هو تقنية بومودورو (الطماطم) و التي تعني أن تُقسِّم الانشغال بأيّ نشاط إلى جلسات من 25 دقيقة لكلّ جلسة تقوم فيها بأداء المهمة المطلوبة (دراسة، عمل)، ومن ثَم أخذ 5 دقائق راحة، والعودة لجلسة من 25 دقيقة، وبعد أربع جلسات (25 دقيقة لكل جلسة) تقوم بأخذ استراحة ذات فترة زمنية أكبر وأكثر ترفيها

رابعًا: قُم بإنجاز المَهام العالقة الأخرى في وقتٍ لاحق

تظلّ المَهام العالقة من مساحاتٍ أخرى في حياتك كما لو أنّها عِبء يقع على أكتافك، يُطاردك أينما ذهبت، و يحرمُكَ لذّة التمتّع باللحظة الحالية، و ستشعر في كثير من الأحيان بضغط وهموم لا تعرف مصدرها، لكنّك حين تبحث جيدا، ستعرف أنّك تتجاهل القيام بالكثير من المَهام الأخرى المطلوبة منك، سواء أكانت على المستوى الاجتماعيّ أو الدراسيّ أو المِهنيّ أو العائلي، و حين تتجاهل إحدى المهام فإنّ ثقلها يلاحقك إلى المساحات الأخرى، لذلك سيكون من الجيّد دائما أن تتخلّص أوّلا بأوّل من كلّ مهمّة في وقتها، و إلّا ستكون عبئا على مهام أخرى لا علاقة لها بها

عند أداء المهام الأساسية أو الكبرى ذات الأولوية، ستجد كثيرا من المُغرَيات المُشتّتة، و قد تبدو هذه المُشتّتات كما لو أنّها أشياء ضرورية و ذات فائدة، و هي قد تكون بالفعل كذلك، لكنّها ليست أولويتك بالوقت الحالي، و قد تستدعي حينها إحدى المهام المؤجلة لتشغلك عن أداء ما تقوم به الآن, لذلك، لا تستهلك الوقت المُخصّص لأداء النشاط الرئيس في إنجاز مَهام أخرى. و لكي تستبدل جاذبية اللذّة اللحظية التي تمنحكَ إيّاها المشتّتات الأخرى، تعلّم أن تُكافئ نفسك عند إنجاز شيء ما يخصّ المهمّة الرئيسة والكبرى، أي بعد إنجاز كلّ مهمّة جزئية، و لا تنسَ أن تجعل وقت المكافأة والترفيه محدودا زمنيا، تعرف وقت دخوله و وقت الانتهاء منه

خامسًا: لا تعمل تحت تأثير الاختناق من شدّة الضغوطات

أُجريت أبحاث عدّة لدراسة العلاقة بين الانفعال والاستثارة وبين الأداء والإنجاز، و التي كان أبرزها قانون يركيس دودسن، الذي يتلخّص بأنّ الأداء يزداد بوجود استثارة شعورية ما، مثل الحماس أو الرغبة أو التوتّر، و لكن إلى حدّ مُعيّن فقط، فزيادة الشعور بالحماس أو التوتّر بعد نقطة معيّنة يُؤدّي إلى تعطيل الأداء وإلى تقليل الإنجاز، لذلك فإن أفضل مستويات الأداء تكون عند حالة شعورية متوسّطة من الحماس أو الشعور المقبول بالضغوطات، و ليس انعدام الشعور و لا كثرته بطريقة تفوق الحدّ الطبيعيّ

 

إقرأ أيضاً كيف تتغلب على التسويف ؟ بالضغط هنا

إقرأ أيضاً ثلاثة أسباب للتسويف وعدم إكمال ما بدأناه مع الحلول بالضغط هنا

إقرأ أيضاً كيف يمكننا التصالح مع الذات بالرغم من عيوبنا بالضغط هنا

 

 

محمود أبو عادي

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *