حكمة التنازل : سبيلك لإيجاد سلامك الداخلي

حكمة التنازل : سبيلك لإيجاد سلامك الداخلي

 

ربما يبدو هذا العنوان لأول وهلة أنه نوع من الانهزامية بسبب الاعتقاد أن التنازل يعني التخلي و الفرق شاسع بين الاثنين. دعني بالبداية اروي لك قصة قصيرة

اكتشف مروان أنه لايشعر بالبهجة في حياته بالرغم أن جميع أمور حياته على مايرام و لكنه داخليا ممتلئ بالرتابة و الملل لا يجد الشعور المفعم بالحياة، عندما اكتشف غياب هذا الشعور كان الأمر مقبولاً بالبداية يستطيع يمضي قدماً بحياته لم يصل بعد للمعاناة، و لكن بعد فترة من هذا الاكتشاف ازداد الامر سوءاً لم يعد بمقدوره تحمل غياب هذا الشعور. لقد تحول الأمر من مجرد ملل و رتابة لحزن عميق و غربة داخلية يجدها بين اقربائه و أصدقائه، انفصل كليا عن العالم بدأت تراوده الافكار الانتحارية و التساؤلات التائهة جدا لمستوى سحيق من البؤس الجاثم على صدره بلا انقطاع

ظهر له معلم مستنير بالرغم أنه لم يكن مستعداً و لكن لدى هذا المعلم رغبة غريبة لمد يد العون للغرباء على قارعة الطريق

مروان : لماذا زجني الله بهذا السجن الانفرادي بداخل روحي ؟ و تركني استغيث و لايسمعني

المعلم : مما تعاني ؟

مروان : كأن السموات و الارض انطبقت و أنا بينهما من شدة الضيق

المعلم بهدوء : أين تشعر بهذا الضيق بالضبط ؟

مروان غاضبا : اشعر فيه بركبتي !! اكيد بصدري

المعلم بابتسامة دافئة : هون عليك لدي مغزى اخر من السؤال و هو اعادة انتباهك لمكان الألم

مروان : طيب

المعلم : ماهو الشئ الذي تعتقد لو حصلت عليه سيبدأ الألم بالاختفاء ؟

مروان : ماديا لا اريد شيئا، في الحقيقة أشعر أني مسخ أو روحي ملعونة او اصابني السحر الاسود لااستطيع أعد ٣ ايام سعيدة بحياتي أنا حزين للغاية حتى فقدت قدرتي على البكاء الشي الوحيد الذي كان يواسيني

المعلم : اسمع الان و لاتقاطعني حتى لو بدا كلامي غريبا و مستفزاً لك

لايولد الانسان تعيساً، إن التعاسة مرض معدي ينتقل عبر فيروس الافكار و البرمجات، لقد مرت عليك اياماً سعيدة غير صحيح انها كانت ٣ فقط
اردف المعلم قائلاً : هل تعلم تاريخ هذا الالم ؟

مروان : في الحقيقة لاااا

المعلم مقاطعا : لاتقاطع لم أسألك لتجيب, بدأ بالضبط عندما بدأت بالتركيز على غياب البهجة بحياتك, لقد تعاملت مع الموضوع كحقيقة و صدقت كل الشواهد و سلمت بها

مروان متحمس : كيف ؟

يسترسل المعلم : دائما الشئ و نقيضة متواجدان بشكل كامل
البهجة و التعاسة
النشاط و الخمول
الحب و الكراهية

و مافعلته أنت انتباه و ليس اكتشاف, انت بالبداية لم تكتشف شيئا، انتباهك ركز على أن البهجة غائبة فقام العقل بفرز كل الادلة الواقعية بحياتك لتأكيد ذلك

مروان مصدوما : هل تقصد كل هذا الجحيم وهماً ؟ هل انا اتوهم ؟

المعلم : يؤسفني اقول لك : نعم

إن انتباهك المتواصل على غياب البهجة أصبح قناة تستقبل كل ذبذبات الالم، ورم متضخم بداخلك أنت مختطف من عقلك الذي يجعلك بدفاع مستمر لاثبات ان هذا الالم حقيقي، أنت من القلة الذين سيقتنعون بكلامي، لقد جربت الكثير غيرك و كلهم ثاروا علي و تركتهم

مروان : ارجوووك ماذا افعل ؟

المعلم : تنازل، تنازل عن رغبتك للحصول على البهجة، تقبل عدم شعورك بها، اقبل ما تشعر به تكلم بداخلك بحماسة قل اتنازل عن هذي الرغبة لا اريدها. و طبعاً سوف يثور عقل الايجو مباشرة و سوف يحشد كل الدفاعات ليظهرك أنك كاذب و أنها مجرد احتيال على النفس و سوف تسقط من جديد، امضِ قدما لاتقاوم

إن التنازل سيعيدك للمنتصف للتوازن ستبدأ تشعر بالارتياح و تحس بحمل ثقيل يخف عن ظهرك

مروان مرتاحاً : كم من الزمن استمر على التنازل ؟

المعلم يشد على يده : لاتسأل عن الزمن و المدة و الوقت، ارجو ان تفهم أن التنازل ليس التخلي عن الرغبة و تركها إنما إعادة توازنك، عندما تصل للسلام العميق مع حالة عدم البهجة تكون قد فهمت السر

مروان بعجلة : حسناً سيدي برتب كلامك لي

١- مشكلتي اني كنت اركز طول هذي الفترة على غياب البهجة

٢- عقلي كان يقنعني أن انتباهي هو اكتشاف حقيقي

٣- لا انتقل الان مباشرة من التركيز على عدم البهجة إلى التركيز إلى البهجة لا ، هذا لا يناسب مرحلتي بسبب تعلقي بالبهجة، انتقل للتوازن و ذلك عن طريق التنازل بشكل مؤقت عن البهجة واااو

٤- اتقبل عدم وجود البهجة بحياتي و اتعامل مع ذاتي غير المبتهجة بسلاام و دعم, مع الايام سوف ينشأ من هذا السلام غير المشروط مشاعر حقيقية. هذي هي البهجة

المعلم : بارك الله فيك

 

إقرأ أيضاً

لا تعلق سعادتك كلها على شخص

التصالح مع الذات و السلام الداخلي

كيفية الوصول إلى الوعي الفائق

الحوار مع الذات و مناعة الكلام السلبي مع أمثلة للتوضيح

 

 

العيش الطيب

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *