شريحة توجد داخل عقل كل أنسان ولا يعلم أحدا عنها شيئا

شريحة توجد داخل عقل كل أنسان ولا يعلم أحدا عنها شيئا

 

الشريحة

لست بصدد الحديث عن مشروع تبنته إحدى الشركات للسيطرة على عقول البشر بزرع شريحة داخل أدمغتهم
إنما أتحدث عن شريحة توجد بالفعل داخل عقل كل أنسان ولا يعلم أحدا عنها شيئا
شريحة غير مرئية، لا يستطيع أحد اكتشافها، إنما يشعر بها كل من خانته إرادته لتحقيق ما يريده قلبه
يشعر بها كل من يعيش في مقاومة وألم بسبب وجود قوة قهرية بداخله تجبره على الانصياع لأوامرها؛ فتجعله وكأنه إنسان آلي ينفذ ما تم زرعه من برنامج داخل تلك الشريحة
قد تظن أنها مؤامرة ما، لكنها في الأصل ليست كذلك.
لم يزرعها أحد، إنما تم خلق عقل الإنسان كي يكوّنها منذ سنوات عمره الأولي، يسجل ويخزن كل المعلومات والخبرات والمشاعر والعادات التي يكتسبها من بيئته بكل ما تحمل من أفكار ومعتقدات تكونت داخل عقل طفل يرى العالم من خلال عينيه الصغيرتين، وإدراكه المحدود، ومخاوفه اللا منطقية
ثم ينمو الطفل جسديا ليدخل مرحلة الرشد لكنه يجد ما يعيقه، الألم والخوف والافتقاد يطارده أينما ذهب، يبدو الواقع وكأنه يحاول النيل منه وإسقاطه
لكنه في الحقيقة ليس الواقع هو من يحاول تدميره؛ إنما ما تحمله الشريحة من برمجيات خفية تؤدي به الى الاحتراق الداخلي
برمجيات تظهر في صورة صوت داخلي خبيث يثبط من عزيمته؛ كي يظل دائما في القاع؛ فلا يوجد لديه أي طاقة للمحاولة، أو يرفع عزيمته لعنان السماء كي تتفتت عند أول سقوط؛ فلا يفكر ثانية في إعادة الصعود
صوت داخلي يجسد مخاوفه سرا، وكأن جسده أصبح أسيرا لا يستطيع أن يخطو خارج تلك الدائرة التي أصبحت تمثل له الأمان وإن كانت في حقيقة الأمر تسبب له كل أنواع الأذى؛ فيجذب لنفسه من يحافظون على أمانه المزيف في الأذى المعتاد؛ ليعيش وهو يظن أنه ضحية للآخرين، إنما في الحقيقة هو ضحية الاستسلام لشريحته المزعومة وبرنامجها المسموم
قد يبدو الجميع على ما يرام، فالكل بارع في ارتداء الأقنعة، و يظن كل على حدا أن الخلل به وحده؛ فلا يفصح عما بداخله لأنه يخشى أن يكون وحيدا؛ فيضع قناعه ويتهرب من الاستماع لصوته الداخلي بالانشغال، وافتعال المواقف التي تبقيه مشتتا، أو تخدير ذلك الصوت بالمتع اللحظية فيظن أنه انتصر عليه
لكن ذلك الصوت لن يتوقف أبدا
لن يتوقف إلا عندما يتم انتزاعه بعملية دقيقة، تقتلعه من جذوره، وتطرده خارج حدود العقل
وكي تحدث عملية الشفاء لابد أولا من تحديد موضع الألم
لكننا بدل أن نحدد موضع الألم نهدر طاقتنا في مقاومته ، بدلا من الاستسلام له ليوجهنا لموطن الخلل داخل عقولنا
نقاوم الفقد والحزن والأسى
نقاوم الوحدة والإحباط والخوف
نلقى اللوم على الآخرين، ونسقط عليهم ما تحمله عقولنا من أفكار
نظل نقاوم حتى تنهار قوانا ونفقد الرغبة في الحياة
فبداخل تلك الشريحة برنامج آخر، تم تصميمه لحمايتنا عند عدم تمكنا من التعرف عليها
وهذا البرنامج هو برنامج التدمير الذاتي؛
فالشريحة دائما تقودنا لسيناريو معد مسبقا ليبدو وكأننا نتجه نحو الألم، ونسعى إليه حتى ندمر أنفسنا
وبالرغم من ذلك فهذا البرنامج هو وسيلتنا للنجاة
فقد نهرب من الألم المزمن بوسائل التشتيت المختلفة
لكن ألم التدمير الذاتي الحاد لا يحتمل إلا الاستسلام التام له
وهنا تأتي اللحظة الحاسمة
لحظة الاختيار
فيبدو الإنسان وكأنه بين خيارين
خيار التمسك بالأمل، والاتجاه إلى خالق الروح والجسد كي يستمد منه الطاقة التي ستمول عملية الانفصال، فنعترف أمامه سبحانه بأننا ظلمنا أنفسنا، واعترافنا بعجزنا ومحدوديتنا، ونطلب اللجوء إليه لحمايتنا مما نحمله بداخلنا من أفكار خبيثة تقتات على أرواحنا لتمتص منها الرغبة في الحياة
وخيار المكابرة، والاتجاه للتدمير التام، والقضاء على الجسد و الروح معا بدلا من القضاء على الشريحة لتحرير العقل
فقد تم تفعيل غريزة الموت التي تدفعنا دائما إلى الفناء منذ أن هبط آدم إلى الأرض بحثا عن الخلد
نقاوم الموت ونخشاه خوفا على أجسادنا
فالألم يفعّل بداخلنا الخوف من الموت،
فنختار في المقابل موت الروح التي لا تتحرر إلا بموت الشريحة داخل العقل
فإن تحرر العقل تحولت غريزة الموت إلى غريزة للحياة، وتدفقت طاقتها لتفيض على جميع مخلوقات الكون بالنور
وإذا تمسك الإنسان بتلك الشريحة فجميع اختياراته ستسوقه إلى التدمير والاحتراق النفسي
يحدث هذا فعليا حتى و إن بدا أمام الآخرين أنه يملك كل أسباب السعادة
فالحياة لا تبدأ إلا بكسر تلك القشرة الهشة التي تقبع بداخلها الروح التي تبدو كطائر يصارع من أجل الخروج من مكانه الآمن الذي احتواه أثناء فترة تكوينه الأولى فتتغلب غريزة الحياة على غريزة الخوف من الفناء، فإن ظل بالداخل تسلل الموت الى جسده حتي يحصد تلك الروح الخائفة الضعيفة
فالكسر لا يتم الا من الداخل وبدون مساعدة أحد، يتم حتى و إن لم نكن نستطيع الرؤية فأعيينا في ذلك الوقت مازالت لا تحتمل قوة الضوء
حتى وإن لم نكن نملك إلا تلك القوة التي تجعلنا ندفع أرواحنا إلى الخارج
فعندما نكسر تلك القشرة الرفيعة تستقبلنا رحمة من خلقنا ليحتوينا الدفء الذي طالما افتقدته أرواحنا، ويتم إعادة لم الشمل الذي أًرهقت أرواحنا اشتياقا إليه، وحنينا إلى رحمة أرحم الراحمين
فالألم هو الدواء الذي سيقتلع تلك الشريحة من جذورها
دواء يحمل طعما مرا، ممزوجا بكل لحظات الانكسار والضعف والأسى التي يحملها القلب
دواءٌ لن يكف أبدا عن المطالبة بقبوله حتى نقبله، ونسمح له بأن يشفي القلب من نسيجه المزيف حتى يظهر ذلك النسيج الجديد الذي يتكون من نور لا يفنى
فيصلح ذلك النور ما اطفأه ظلم الاستسلام للظلام
فلا تؤجل الحداد بعد اليوم
ولا تهرب من الحزن والألم
ذلك الحداد المؤجل هو رفضك لموت الأفكار الخبيثة داخل عقلك
فأعلنْ موتها حتى تتحرر الروح، وترجع إلى ربها راضية مرضية وهي مازالت تحيا بداخل الجسد لبعض الوقت؛ الوقت الذي يكفي كي تكون شاهدا يعلم علم اليقين أنه يعيش تجربة على بعد آخر، فلا يتفاعل معه وكأنه الحقيقة المطلقة ولا يوجد سواه،
إنما يحيا معظم الوقت داخل السماء، وعندما تحاول الأرض أن تجذبه لأسفل يصرخ معلنا أنه لن تزل قدمه بعد ثبوتها؛ فقد أصبح يعلم جيدا لأي من العالميْن ينتمي، عالم الأرض أم عالم السماء

 

إقرأ أيضاً العقل الباطن والحب وبرمجة العقل الباطن في العلاقات العاطفية بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً ترجمة العقل الباطن : مقال عميق بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً قوانين العقل الباطن بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً أنماط العقل : ( 8 أنماط مختلفة ) بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً استخدام برمجة العقل الباطن في الحب : التقنيات بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً العقل وعلاقته بتجربتك في الحياة بالظغط هنا  

إقرأ أيضاً الخيال و التأمل – العقل الباطن بالظغط هنا

 

 

 

 

رانيه_مصطفى_محمود
الشريحة_القديمة
الحداد_المؤجل

1 réflexion sur “شريحة توجد داخل عقل كل أنسان ولا يعلم أحدا عنها شيئا”

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *