! يقولون أن الأنسان يولد مرتان

يقولون أن الأنسان يولد مرتان 


لكننى أعتقد أن تلك المقولة ليست صحيحة تمامًا
أظن أن هناك ثلاث مرات يتم فيها ولادة الأنسان
المرة الأولى هى الولادة الجسدية ليخرج كجسد له إحتياجات لابد و أن يتم تلبيتها حتى ينمو جسديًا ونفسيًا و عقليًا و انفعاليًا فيترك الذات القاصر بداخله و يستعد للوصول الى ذات الراشد 
ثم تصدمه الحياة بخيبات الأمل فيختبر الألم و النقص نتيجة عدم الإشباع و يظل يطارد السراب و يتخبط فى جميع الاتجاهات فلا يجد الإجابة إلى أن يهتدى إلى باب آخر لم يطرقه يومًا و هو باب الإشباع من المصدر ،
فيضع بذرة لكائن جديد يستعد للخروج إلى الحياة،
يبحث كثيرا ، يسعى و يجتهد ، يقرأ الكتب و يحضر الدورات و يطارد المعلومات و كأنه فى فترة حضانة
يحتضن داخل عقله تلك المعلومات بصمت و عدم وجود مردود مادى لها على أرض الواقع
كلما أصابه اليأس ، سمع صوتًا يتردد من داخل قلبه ألا يقنط من رحمة الله فتلك هى فترة التكوين لجنين لا يملك صوتا يستعد لكى يولد مكتملًا حتى يصمد أمام ما سيواجه لاحقا من تحديات لكى تخرج الروح الى الحياة فترى النور بعدما عاشت سجينة فى ظلمات الاحتياج النفسي و الجسدي للإشباع من الخارج
فأن خرج قبل موعده سار ضعيفًا هشًا فينهزم أمام قسوة الحياة
و فى تلك الفترة التى تمثل فترة الاستيعاب و النمو الروحى ، يبدأ الألم فى التصاعد تدريجيًا
ألم حمل الإيجو و ما يمثله من ثقل
لقد أصبح هناك صراع وجودى ، من سيحتل ذلك الكيان 
هل يتمدد الجنين الجديد الذى يحمل بصمة الروح
أم أن الإيجو لن يسمح له بالانتصار 
يضغط الايجو حتى يصبح التنفس شبه مستحيل
فتلك الكتلة من الألم تعيق دخول الهواء الى داخل أعماق صدره و ُتغيّب العقل لتفصله عن الواقع بملايين الأفكار المتلاحقة التى تطالبه دائما بالمزيد،
فكلما زاد حجم الجنين الجديد كلما زاد الألم المصاحب لوجود الإيجو 
لابد ان يتم أتخاذ قرار سريع لإنقاذ الكيان من التمزق الداخلى و البدأ فى عملية الولادة الثانية
فيبعث القدر ما يبدو و كأنه عقاب و ألم شديد ،
أنما هو فى الأصل ألم الخلاص و ألم الرحمة،
ألم موت الإيجو و ما يحمله من ميراث ثقيل
يتعرض لصدمة أو فقد أو إبتلاء لم يتوقعه يومًا فيكون ذلك هو الوقود الذى سيموّل طاقة دفع الإيجو إلى الخارج ليبدأ فى التراجع و يفقد مساحته القديمة بالداخل ليحل محلها مساحة للروح
تستعد الروح لكى تولد داخل القلب و تبدأ فى القيادة
فتبدأ فى خطواتها الأولى بحماس 
العالم يبدو مختلف فى تلك العيون التى أصبح تبصر بقلبها فلا ترى الا الجمال و الحب 
تبدأ الروح فى النمو التدريجي لتصبح كائن ناضج مستعد للتكليف و تَحمُل متطلبات المرحلة القادمة
و هنا تكون الولادة الثالثة و الأخيرة 
ولادة الإنسان الذى قرر أستلام الرسالة و البدأ فى تنفيذها 
الخروج من ذات « الراشد « الى ذات « الأنسان »
لكن هناك ما يعيقه بالداخل،
انه بقايا الإيجو بداخله 
كلما ظن أنه تخلص منه ، يبدأ فى الظهور من جديد
فالقيام بالرسالة يتعارض مع وجوده
فالرسالة تقتضى التخلى عن فكرة الذات مقابل فكرة خدمة خالق الروح لمساعدة الآخرين على الارتقاء 
لكنها ليست سهلة كما تبدو
فمجرد استسلام بسيط لبعض المشاعر التى تختفى فى العمق و لم يتم التعرف عليها كفيل بإصابة الهدف بالتسمم فالإيجو بارع فى التلاعب بالمشاعر و الأفكار لكى يستحوذ مجددًا على الكيان و يتلاعب بأستخدام الكلمات البراقة التى تحتوى على مخدر ، فهو خبيث لا يستسلم فقد آخذ على نفسه عهدًا بالاستمرار فى الغواية حتى يوم البعث
بقايا مشاعر حنين لحياة الجسد ، ذكريات لسعادة كاذبة فى يوم ما ، بعض مشاعر الشفقة على الذات أو الرغبة فى الانتقام ، التشكك فى نوايا المحيطين ، الرغبة فى الحصول على القبول و التوكيد من الآخرين ،شك فى الذات بسبب التنمر عليه ، مقارنة مع شخص ما يجعله يشعر بالدونية و غيرها من المشاعر المرتبطة بالتدحرج إلى الوراء والانجذاب إلى للأرض بثقل ما تحمله من مشاعر سلبية 
و يا له من محظوظ ذلك الذى سيكشف لعبة الإيجو الخبيثة فى تلك المرحلة المتقدمة التى تفصله عن الولادة الأخيرة 
ولادة الانسان الذى أستحوذ عليه الروح فأصبح قلبه يشع نورا يهدى به من يبحث عن مخرج من ظلمات نفسه ليتحرر من الايجو الذى أبتلعه مرددا ان لا آله إلا أنت سبحانك أنى كنت من الظالمين
ولادة ستخرجه مباشرة إلى عنان السماء بعدما يتخلص تمامًا من ذلك الثقل الذى جعله يهبط الى باطن الأرض ليعود الى الطير الذى كان يسابقه بعدما تخلص من وزره الذى أثقل ظهره فحملته السُحب إلى جنته بينما مازال جسده يعيش بين البشر لكنه يحتفظ بذلك السر بداخله منتظرًا اللحظة التى يكشف فيها النقاب ليُعلّم الأخرين كيفية الطيران و كيف يبدو شعور الحرية 

 

 

رانيه_مصطفى_محمود
الارتقاء
ولادة_الانسان

1 réflexion sur “! يقولون أن الأنسان يولد مرتان”

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *