…حوار مع المرض

 

حوار مع المرض

لماذا جئت لتنتزع منى الحياة؟
انا لا أريد الموت الآن.
أنت تكذبين، لقد جئت كأستجابة لما يحمله عقلك من أفكار حول الرغبة في الخلاص،
هل تذكرين تلك اللحظات التي تمنيت فيها أن تتركي ذلك العالم القاسي وتذهبي إلى من تعلمين أنه سيكون أرحم عليك من نفسك .
لكنى لا أريد الخلاص بتلك الطريقة، أنا أحب الحياة وراضية بابتلائي ، صابرة عليه أحتسب عند الله الثواب.
أعتقد أنه يكفي، لم يعد هناك حاجة للإنكار، فقد يكذب عقلك الواعي لكن رسالة المرض لا تكذب
لقد أصابك ما قامت أفكارك باستدعائه.
هل نظرتي مؤخرا إلى المرآة؟ هل ترين تلك الابتسامة التي لا تفارق وجهك، من تحاولين أن تخدعين، نفسك أم الآخرين؟
تحاولين إخفاء الغضب والألم والإحباط في عينيك بتلك الابتسامة
الآن أصبحت عينيك لا تقولا شيئا إلا اليأس والاستعداد للرحيل
لم تقومي بقتل نفسك بالطرق التقليدية لأنك تخشين العقاب وتأملين في الحياة الآخرى بعد الموت
فاخترت أن تقوم أفكارك بالمهمة فأعلن عقلك القنوط من الحياة والاستسلام للموت واستجاب جسدك لطلبك في الحال.
لماذا هذه القسوة و أنا لم اختار طبيعتي و حياتي.
نعم لم تختاري طبيعتك أو حياتك لكنك اخترت الاستسلام لها بالرغم من أنك تملكين القدرة على التغيير.
لقد حاولت كثيرا، لم أترك بابا للنجاة إلا وقد طرقته، ذهبت إلى الأطباء وتحدثت عن طفولتي البائسة، عن أبي الذي لم أراه إلا في المناسبات، أبي الذي طلقني عندما قام بتطليق أمي
عن أمي التي زرعت بداخلي احساس الخوف والعجز وقلة الحيلة.
ثم ماذا فعلتي، لقد تزوجت رجلًا وانت تعلمين أنه سيؤذيك لقد كان كل شيء واضحًا منذ البداية ، لست غبية وهو لم يخدعك
عقلك هو من قام بخادعك.
نعم لا أستطيع إنكار ذلك، في مكان ما داخل عقلي كانت الحقيقة واضحة لكنى لا أستطيع ان أفسر لماذا اتجهت إلى العذاب باختياري، هذا غير منطقي
فالأقل ألما أن أدعي انه هو من قام بخداعي بدلًا من اعترافي بأن هناك شيئا بداخلي يتآمر ضدي.
وهل ترين الآن أن الهروب من عقلك وما يحمله من أفكار هو الطريقة الآمنة لتجنب الألم؟
لا أستطيع حقًا أن أفهم ما يدور بداخلي من مشاعر
لم يسألني أحدًا يوما عما أشعر به
لا أعلم غير كلمتين  » جيد “و  » سيء »
أعتقد أنى بحاجة إلى إعادة تعريف معاني جديدة لحصيلة كلماتي، لا أعلم كيف أضع المعنى المناسب لما أشعر به من مشاعر لا أجد لها أسما في قاموسي
أشعر كما لو كنت مصابة بالعماء والآن أتعلم من جديد كيف تبدو الألوان التي أراها لأول مرة منذ ان استعدت بصري
أعتقد أن ما كنت أشعر به طوال حياتي هو الشعور بالخزي والعار
أظن بأنني كنت غاضبة من والدي
في كل مرة كنت أحتاج فيها إلى حضنه ولم أجده حاضرًا، كنت أشعر بالغضب الشديد
كم كنت أكره هذا الأحتياج الضاغط بداخلي
حاولت بضع مرات أن أتواصل معه لكنى رفضني بقسوة.
عندما أشاهد أو أستمع لقصص البنات عن آبائهم أشعر بالرغبة في الموت
لماذا لم يعاملني أبي كأميرة ويدللني مثل باقي البنات
لماذا أختارت أمي رجلا بتلك القسوة ليكون أبي
لقد كنت أكره الجميع في الحقيقة
أكره البنات التي تمتلك ما لم أمتلكه يوما ويتحدثون عنه أمامي لينكئوا جرحى العميق بمنتي القسوة
أكره نفسي وأكره أبي وأكره أمي!
كنت دائما ما أحدث نفسي ؛ كيف سيقبل بي أمير ولم يتوجني أبي أميرة على عرش قلبه!
ولكنك لا تكرهين أحدًا، أنت فقط تشعرين بالألم الشديد الذي أخرج بداخلك طاقة غضب وعدوان نحوهم ونحو نفسك ، فأنت في الحقيقة تحبينهم وتتمنين لو يبادلونك مشاعر الحب ، وعندما لا تحصلين عليها تشعرين بالغضب مثل الطفل الصغير الذى يقوم بممارسة العدوان على أمه عندما تتأخر عليه في تقديم الغذاء إنما بداخله حب شديد و تعلق بها!
لقد قمت ايضا بالاستدماج مع ألم أمك التي عاشت تعاني طوال حياتها من الحرمان والقسوة فلم تتزوج خوفًا عليك وهربًا من حكم الآخرين عليها.
لقد اتجهت لتحقيق نبوءة داخلية تم زرعها بداخلك ، أنه لا يوجد مفر من الألم والأفضل من المواجهة هو ممارسة الشفقة على الذات لكونك ضحية
هناك جزئ بداخلك يشعر بالاستمتاع بالألم تكفيرا عن ذنبك في عدم استحقاقك للحب من الآخرين
وذلك الجزء الذى لن يقبل السعادة تضامنًا مع مصير أمك التي عاشت بائسة من أجلك لتموت هي الاخرى بالمرض
-لكنى كنت اقاوم ما يفعله معي زوجي، كنت أبكي وأعترض وأصرخ عندما كان يسيء لي ويؤذيني.
نعم كنت تفعلين ذلك لأنه يغذى لديك مشاعر الضحية وممارسة الشفقة على الذات
كنت تستطيعين الفرار أو طلب المساعدة من أهلك أو البحث عن مصدر دخل يوفر لك الأمان، كان هناك الكثير من المخارج أمامك لكنك لم تضعي أبدا خطة للهروب واخترت الاستسلام
لم أستطيع، لم يكن ليوافق أو يسمح لي أبدا!
هذا غير صحيح،
لم أستطيع هي في الأصل لم أريد
في حقيقة الأمر لم تريدي الخروج من تلك المنطقة الأمنة لكي حتى وإن كانت تسبب لكي الألم
فقد تعودت أن الألم مرتبط لديك بالأمان
نشأت عليه ولا تعرفين طعمًا غيره.
لو كان هذا صحيحا إذا لماذا استدعيتك كما تقول
لقد كان استدعائي هو الحل المثالي لك كي يتوقف الصراع الداخلي لديك
انظري جيدًا ماذا أعطاك هذا المرض.
أولًا يقع المرض في منطقة الراحة لديك ويشعرك بالأمان
فالألم الجسدي قد يكون أخف ألما من الألم النفسي الذي أصبح يفوق قدرتك على الاحتمال.
ثانيا يضمن لك أن زوجك لن يتركك أبدا كما فعل والدك لأنه سيخاف من حكم المجتمع عليه فكيف يتخلى عن زوجته المريضة في هذا الوقت العصيب
كما يضمن لك المرض ممارسة المزيد من الشفقة على الذات
ويبرر استمرارك في تحمل الإساءة أمام نفسك، لإنك لا تملكين بديل آخر
لقد قدم لك المرض الحب والتعاطف الذي لم تحصلي عليه أبدًا من الآخرين فحاجتك للحب قد تفوق حاجتك للحياة.
ما كل تلك القسوة، حتى أنت تقوم بألقاء الأحكام وتوجيه الاتهامات ضدي؟
قد أبدو قاسيًا لكنى أعطيك ذلك الدواء المر الذي سيعيد إليك الفرصة في الحياة
تلك الكلمات الصادمة هي قمة الرحمة وهي كل ما تحتاجين اليه الآن كي تستيقظي من سباتك العميق وتبدأي في التحرر من أفكارك ومشاعرك التي تتكاثر في صمت داخل عقلك كالسرطان الخبيث الذي ينتزع منك الحياة بالتدريج………..
لا تبكي الآن واقتلعي تلك القناعات الخبيثة من داخل قلبك حتى أستطيع أن أغدر جسدك المسكين.
أخبرني ماذا أفعل لا أستطيع.
عندما تريدين ستستطيعين.
هل تريدين ان العيش مجددا ؟
نعم أريد.
أخبري عقلك أنك لن تقاومي المرض وترفضيه
اسمحي لعقلك أن يستقبل الرسالة
رسالة أنك تحملين افكارا مسممة بداخلك
و ان ألمك هو من قام بإستدعاء المرض و ان خروجه من جسدك مرتبط بمواجهة ذلك الالم و خروجه من قلبك ،
أخبري المرض أنك فهمتي الرسالة وقبلتيها………….
هل أنك مستعدة الآن لخروجي من جسدك
هل استوعبت الدرس
هل انت مستعدة لتغيير افكارك؟
نعم أقسم لك، اتركني الآن وسترى
حسنا سأنتظر لبعض الوقت حتى أتأكد أنك اقتلعت أفكارك الخبيثة ولم يعد لها وجود وسأختفى بخروج آخر فكرة مسممة بداخلك حتى أتأكد أنك لن تعودي فتلك هي فرصتك الأخيرة للنجاة.
وقتها سأغادرك للأبد وسأسمح لمشاعر الصحة والقوة والشفاء بالدخول إلى جسدك
فالصحة والمرض لا يجتمعان
وعند خروجي ستتسابق الصحة لتغمر جسدك وتستعيدين السيطرة على الجسد الذي خُلق ليتمتع بالقوة والطاقة والسلام
سأتركك الآن تفكرين فيما نقلته لك من رسائل على أمل إلا التقى بك مجددًا وأن يكون هذا الحديث هو حديثنا الأخير.

سرطان_المشاعر
شفاء_القلب
رانيه_مصطفى_محمود

6 réflexions sur “…حوار مع المرض”

  1. ممتنة جدا ، وكانكم افقتموني من غيبوبة كنت بها . فعلا في سنوات المرض الاولى كنت سلبية جدا . وكنت اقول اشياء تدعي الى الموت . رغم انني كنت صابرة لكن داخلي دائنا والى الان احيانا ،اشعر بذلك. فعلا ممتنة لكم. ساتابعكم بكثف.

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *