تجربة الاقتراب من الموت


تجربة « الاقتراب من الموت “
 » Near Death experience « 


لا أتحدث عن الاقتراب من موت الجسد كما هو مألوف من تعريف لذلك المصطلح الذي يصف من تعرض لتوقف عضلة القلب لبعض الوقت ثم عاد ثانية إلى الحياة .
إنما أصف من تعرض لموت القلب من قسوة الواقع فكاد قلبه أن يتوقف عن الخفقان من شدة الألم النفسي،
أصف من سأل قلبه مرارًا، لماذا لا تتوقف عن الخفقان فأستريح من ذلك الألم، فلم أعد اقوى على الاحتمال .
فالاقتراب من الموت هو نوع من أنواع العلاج بالصدمة حتى تنحل لعنة الخوف .
و يبقى الخوف هو السم الذي تجرعناه تدريجيًا أثناء نمونا في بيئتنا الأولى حتى تراكم داخل قلوبنا ليعيق تدفق الحياة و يستبدلها بالرغبة في الموت .
لا نستطيع التعرف عليه لأنه محتال ، ليس له تأثير فوري ، لكنه يظل يتراكم حتى يقضي على أرواحنا .
نتجاهله حتى نصل إلي مرحلة متأخرة من التدمير
و هنا نحتاج إلى صدمة لنستفيق من غيبوبتنا الروحية .
نعيش في سجن الخوف من فقد ما نملك .
نظن أننا نستمد قيمتنا من أشخاص ،من المال ،من المناصب ،من النجاح ،من الجمال، من الصحة و الشباب ، من تقديم الخدمات 
أيا كان ما نظن أنه يعطينا قيمتنا ، نعيش داخل سجن الخوف من أن نفقده حتى لا نفقد أنفسنا و ندور في فلكه حتى نطمئن أنفسنا بالأمان الزائف في امتلاكه .
نسعى في دوائره مغلقة حتى ننسى أننا نحيا لهدف مختلف عن ذلك الذي نحياه .
ثم تأتينا الصدمة ، صدمة أنه بالرغم من كل الجهد المبذول للحفاظ على أهم ما نملك ، نفقده للأبد ! فنظن أيضا أننا فقدنا أنفسنا للأبد
قد يكون ذلك الوقت هو لحظة توقف القلب،
في تلك اللحظات الحرجة يكون الاختيار
هل يتم إنعاش ذلك القلب بأختيار التسليم و الزهد في الحياة و اللجوء الى الخالق
أم الاستمرار في موت الروح و الحياة كجسد يظن أن القدر يتآمر عليه 
في تلك اللحظة لم يعد يهم أي شيء ،
لأننا نظن أننا فقدنا كل شيء .
نعم لقد فقدنا كل ما هو ليس حقيقيا
فأنهار العالم الافتراضي الذي كنا نحياه .
فنبدأ في البحث عن عالم بديل داخل مملكة الروح و ما تحمله من لمسات شافية تواسي جراح القلب المكلوم
و تنجح المواساة على قدر حجم الجرح
فكلما زاد حجم الجرح ، زادت الفرصة في موت الخلايا المزيفة بداخله و نجحت عملية الإحلال بخلايا جديدة ذات نسيج يتفجر بالحياة .
و قد لا تنجح الصدمة في علاج الخوف و تترك القلب أكثر هشاشة فنصاب بكرب ما بعد الصدمة
فتتكالب علينا آلام القلب حتى ينهار تدريجيًا إلى أن يصل لمرحلة الانهيار الأخير .
فكل قلب و له طريقته في التفاعل مع الأحداث،
قد تكون صدمة مفاجئة أو قد يكون تعرض تدريجي كما هو الحال في تقنيات علاج المخاوف .
لكن الهدف واحد و هو الخروج من الحياة بينما مازال القلب ينبض .
الخروج من الحياة و شباكها العنكبوتية التي تمتص الحياة من فريستها التي وقعت في فخ الجسد و نزعاته النفسية،
و كيف نسعى للخروج من سجن الجسد إلا إذا كان الواقع لا يحتمل ،
إذا كان الانتماء و التشبث بهذا الجسد و ما يحمله من نزعات هو سبب كل الألم و الشقاء
فنختار أن نغادره و نتركه بخبراته و إخفاقاته بغير رجعة كأستجابة لبارقة أمل أخيرة لغريزة الحياة بداخلنا .
انها نفس غريزة البقاء التي خُلقت بداخلنا و كانت السبب في أمتلاك الجسد لأرواحنا كمحاولة للنجاة ، هي نفسها سبب البحث عن مخرج للخروج من سجنه باتباع القلب و تصديقه و كأنه نوع من أنواع الانفصال الذي يحدث من شدة قسوة الواقع
و لكنه ليس الانفصال الذي يحدث بغياب الوعي و الدخول في المرض النفسي نتيجة الصدمة
إنما نوع واعي من الانفصال يختاره الانسان بأرادته الحرة ، الانفصال عن ذاته المزيفة و ما تحمله من ميراث أليم لإخفاقات و أحلام لم تحقق ،
انفصال عن اختيارات خاطئة و شعور بالخزي و الندم و خذلان للنفس ،
انفصال عن معتقد العجز و ما تسبب فيه من تدمير و تخريب للذات ،
فنغادر أنفسنا بغير رجعة و نترك الذكريات الاليمة ورائنا و كأن الله قد أعطانا فرصة جديدة للرجوع الى أجسادنا بعدما غادرناها ، و لكن ليتولى قيادتها تلك المرة الروح التى تحمل بداخلها صفات خالقها و هي تشعر بأنها لم تعد تنتمي لذكريات الماضي بعد تلك الصحوة .
و يبقي داخل الانسان شيء من الخوف ، و لكنه ذلك الخوف الذي يجعله يسعى لعدم الدخول لذلك الفخ ثانية
فالحياة لن تتوقف عن اغوائه بكل ما تحمله نفسه من رغبات قديمة لم تحقق
لكنه سيقاومه لأنه يعلم جيدًا أن تلك الأضواء البراقة ستعميه عن نوره الداخلي الذي يهتدي به لصراطه المستقيم
سيقاوم الغضب عندما تأتيه فرصة الانتقام
و سيقاوم الكِبر عندما يأتيه المُلك
و سيقاوم الأسى عندما يأتيه الفقد
و سيقاوم القنوط عندما تأتيه المصائب
سيقاوم المتعة اللحظية عندما تأتيه الشهوات
لأنه يعلم أنه خُلق ليقاوم ما بداخله من ضعف نتيجة انتماءه لمكونات الأرض التي تجذبه دائمًا لأسفل
سيقاوم لإنه يعلم أن الله قد أختصه بنفخة من روحه فلن ينحني ظهره إلا تسليمًا له
فعندما يركع الجسد امتثالًا لأرادة الأنسان ، تصعد الروح الي أعلى لتحظى بالحرية التي تتمثل في الاستغناء عن الدنيا و ما فيها لانه وجد النور بداخله فلن يضل اذا أبدًا .
{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} ١٢٢ الانعام

الاقتراب_من_الموت
الخروج_من_الكهف
رانيه_مصطفى_محمود

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *